من التضليل إلى التسليح.. حدود التنسيق الخفي بين أمريكا وإسرائيل ضد إيران - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

بينما كانت الأنظار تتجه إلى جولات التفاوض النووي بين الولايات المتحدة وإيران، باغتت إسرائيل العالم بشن ضربة عسكرية واسعة على إيران، استهدفت بنية نووية وأمنية عالية الحساسية، وسط حملة خداع استراتيجي خططت لها حكومة بنيامين نتنياهو لفترة طويلة، ونفذتها بتنسيق سري مع الولايات المتحدة.

رغم التوتر المستمر بين تل أبيب وطهران، لم يتوقع كثيرون أن تأتي الضربة بينما كانت تجري الاستعدادات للجولة السادسة من المفاوضات النووية في عمّان «كان مقررًّا لها، أمس الأحد»، والمفارقة أن الضربة جاءت في وقت كانت واشنطن تبدي فيه اعتراضًا علنيًا على أي تحرك عسكري إسرائيلي، وتدّعي الخلاف مع نتنياهو.

لكن الحقيقة كانت معاكسة، وبحسب مصادر إسرائيلية، بدأ التنسيق بين الجانبين قبل ثمانية أشهر، حيث منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضوء الأخضر للهجوم، في وقت كانت إدارته تمارس الخداع السياسي عبر الإعلان عن تحفظها على أي تصعيد ضد إيران، حتى أن نتنياهو أجرى مكالمة هاتفية مع ترامب قبل الضربة بأيام، أعلنت إسرائيل خلالها أن ترامب حثّ على تجنب التصعيد، بينما كشفت تقارير لاحقة أن المكالمة خُصصت للتنسيق النهائي للهجوم.

تحضيرات إعلامية تم التخطيط للضربة منذ ثمانية أشهر، حيث اعترف مسؤولان إسرائيليان لوسائل إعلام أمريكية أن ترامب ومساعديه كانوا يتظاهرون بمعارضة أي هجوم إسرائيلي على إيران في العلن، بينما لم يعربوا عن معارضتهم سرًّا، مؤكدين أن الكيان حصل على ضوء أخضر أمريكي قبل الهجوم، حيث كان الهدف إقناع طهران بعدم وجود أي هجوم وشيك، والتأكد من أن الإيرانيين المُدرجين على قائمة أهداف إسرائيل لن ينتقلوا إلى مواقع جديدة.

سبق الضربة عدد من الرسائل التضليلية، فقد أعلن نتنياهو أن زفاف نجله سيكون يوم الإثنين، كما روجت وسائل إعلام إسرائيلية لاحتمال حل الكنيست وإجراء انتخابات، بما يوحي بانشغال الداخل عن أي تحرك عسكري خارجي. كل هذا كان جزءًا من خطة لإقناع الإيرانيين بأنه لا ضربة وشيكة قادمة، ولمنع المستهدفين من تغيير مواقعهم.

ورغم محاولة وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، نفي تدخل بلاده، مؤكدًا أن الهجوم «أحادي الجانب»، عاد ترامب ليؤكد علمه المسبق بالضربة، مشددًا في الوقت نفسه على أن الهجوم نُفذ بأسلحة أمريكية، مع الحفاظ على الإنكار الرسمي للتورط المباشر.

بدأ الهجوم بثلاث عمليات سرية استباقية، نفذها جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي «الموساد» داخل العمق الإيراني. زرعت وحدات كوماندوز إسرائيلية ذخائر دقيقة التوجيه قرب بطاريات «سام» وسط البلاد، وبالتزامن، تم تفعيل هذه الذخائر لتقصف مواقعها بدقة عالية، قبل أن تدخل المقاتلات الإسرائيلية المجال الجوي الإيراني.

كما نفذت وحدات الموساد عمليات تخريب إلكترونية لتعطيل أنظمة الدفاع الجوي، وأطلقت طائرات مسيرة هجومية من قاعدة سرية داخل إيران، ضربت خلالها قواعد إطلاق صواريخ أرض- أرض، أبرزها في قاعدة إسباجاباد القريبة من طهران.

وفي عملية منفصلة، تم إطلاق ذخائر من مركبات مموهة لتعطيل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، بما سهّل توغل الطائرات الإسرائيلية التي شاركت في الهجوم، وعددها نحو 200، ألقت حوالي 330 قنبلة في موجات متتالية.

أظهرت لقطات فيديو فرقة من قوات الكوماندوز الإسرائيلي على الأرض في إيران وهم يُشغلون صواريخ رافائيل سبايك دقيقة التوجيه. ويُعدّ هذا النوع من الصواريخ سلاحًا مثاليًا لمثل هذه المهام، إذ يُمكن إطلاقه من خلف غطاء. ويمكن استخدامه في وضع «أطلق وانسَ» أو باستخدام توجيه مباشر. وبهذه الطريقة، يُمكن استخدام الصاروخ أيضًا لاستطلاع الأهداف قبل ضربها بدقة متناهية.

وكان الموساد، وجيش الاحتلال قد وضعا قائمةً بأهدافٍ لأفراد مرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى مسؤولين أمنيين بارزين، كما أصابت عناصر من البنية التحتية النووية الإيرانية وأنظمة الصواريخ الاستراتيجية. وعمل الهجوم الإسرائيلي على تفكيك الدفاعات الجوية الإيرانية وقدراتها الانتقامية، واستهداف الأنظمة متوسطة وطويلة المدى، وتعطيل شبكات القيادة، واختراق المنشآت النووية.

قوات وتكنولوجيا

شاركت طائرات من طراز «إف-35»، و«إف-15»، و«إف-16» في الضربات، إلى جانب استخدام صواريخ دقيقة التوجيه من نوع «سبايك»، وأسلحة متطورة تسمح بالتوجيه الذكي وضرب الأهداف من خلف الحواجز أو باستخدام نمط «أطلق وانسَ».

الهجوم استهدف منشآت حيوية، أبرزها منشأة نطنز للتخصيب النووي، بالإضافة إلى «مخابئ» كبار القادة العسكريين، وتعتمد الترسانة الإسرائيلية على مجموعة من الأسلحة المتطورة المصممة لتنفيذ ضربات دقيقة بعيدة المدى ضد أهداف استراتيجية، منها صاروخ «رامبيج»، وهو صاروخ أرض- جو جرى تطويره ليُطلق من الجو، ويتميّز بأنظمة ملاحة متعددة تمكّنه من استهداف بطاريات الصواريخ، ومراكز القيادة بدقة عالية.

أما صاروخ «روكس» فيتجاوز مداه 300 كيلومتر، ويتميّز بقدرته على اختراق المنشآت تحت الأرض، ويتم إطلاقه من مقاتلات «إف- 16» و«إف- 35»، مما يمنح إسرائيل ميزة هجومية كبيرة في العمق، كما تضم الترسانة كذلك القنبلة «MPR-500» الخارقة للتحصينات، التي تنتجها شركة «إلبيت» الإسرائيلية، وتستطيع اختراق ما يصل إلى 4 أمتار من الخرسانة، ما يجعلها فعّالة ضد الملاجئ المحصنة والمنشآت المدفونة.

وضمن هذه الترسانة أيضًا صاروخ «بوب آي توربو»، وهو صاروخ كروز يُطلق من الغواصات بمدى يصل إلى 1500 كيلومتر، ويتميّز بإمكانية حمل رؤوس تقليدية أو نووية، ويتيح لإسرائيل استهداف مواقع داخل الأراضي الإيرانية من دون الحاجة إلى دخول مياه الخليج.

نتائج الهجوم

أدّت الضربة إلى شلّ أنظمة الدفاع الجوي الإيراني، وتفكيك البنية التحتية المتوسطة والبعيدة المدى، وضرب شبكات القيادة والسيطرة، إلى جانب تدمير أنظمة الصواريخ الاستراتيجية، ورغم أن الدفاعات الإيرانية تعتمد على منظومات روسية مثل «إس- 300»، و«بانتسير»، وتدّعي امتلاك منظومات محلية تضاهي تلك الروسية، فإن الضربة على منشأة أصفهان مرّت من دون اعتراض.

ضرب إيران ليس بالسهولة التي توحي بها دقة الضربة، فمنشآتها النووية وصواريخها الباليستية مدفونة في عمق الأرض، وتحظى بحماية متعددة الطبقات، بينما ما زالت إيران تحتفظ بأسطول قديم من طائرات «ميغ- 29» الروسية، و«إف- 14» الأمريكية، لكن إسرائيل استعدت منذ 20 عامًا لمثل هذه اللحظة، وخصّصت مليارات الدولارات لتطوير ذخائر مخصصة لضرب الأهداف المحصنة بمدى يصل إلى 1800 كيلومتر، بعضها رفضت واشنطن بيعَه لها، فعملت على تطويره محليًا.

ورغم الإنكار العلني، أثبتت الوقائع أن الضربة الإسرائيلية كانت نتيجة تنسيق عسكري واستخباراتي وثيق بين واشنطن وتل أبيب، في وقت كان العالم يراقب مفاوضات نووية تُجرى بنيّة حسن النية، ولم يكن الهجوم الإسرائيلي- الأمريكي المشترك مجرد ضربة استباقية، بل نموذجًا صريحًا لخداع استراتيجي طويل الأمد، أُعدّ له بعناية، ونُفّذ بدقة، ليبعث برسالة: لا خطوط حمراء في استهداف إيران، ولا اتفاقات توقف عجلة الحرب حين تقرر إسرائيل ضرب خصمها الأول.

اقرأ أيضاً
الحكومة الإيرانية تعلن إغلاق بورصة طهران حتى إشعار آخر

برقصة ساخرة.. ممثل أمريكي يحتفل بالضربات الإيرانية على إسرائيل | فيديو

«وزير الخارجية»: استمرار المواجهة بين إسرائيل وإيران سيؤدى إلى تداعيات بالغة الخطورة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق