محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية
بين أوراسيا والشرق الأوسط… هل تمتد صفقات الكبار لتشمل وقف الحرب على غزة؟
في عالم يزداد اضطرابًا، تلتقي الملفات الساخنة على طاولة واحدة، من ميادين أوكرانيا المشتعلة إلى شوارع غزة المدمرة. يوم الجمعة القادم، تتجه أنظار العواصم إلى ألاسكا، حيث سيجلس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجهًا لوجه، في لقاء يصفه البعض بالتاريخي، ويراه آخرون مجرّد عرض سياسي يخدم صور الحملات الانتخابية أكثر مما يخدم فرص السلام. وبين التفاؤل الحذر والتشاؤم الواقعي، يظل السؤال: هل يمكن أن تغير هذه القمة مسار الأحداث؟
منذ بداية ولايته الثانية، ظل ترامب يبحث عن فرصة لجمعه ببوتين، غير أن الظروف السياسية والأمنية أبقت هذه الفكرة مؤجلة. ومع تصاعد الحرب الأوكرانية واقترابها من دخول عامها الرابع، لجأ ترامب إلى لغة الإنذارات، مانحًا موسكو مهلة أولى من خمسين يومًا لوقف الحرب، قبل أن يخفضها فجأة إلى اثني عشر يومًا، في خطوة فسرها البعض بأنها ضغط متعمد لإجبار الروس على قبول لقاء مباشر.
لكن ما بين الطموح الأمريكي والحسابات الروسية، تتبدى الحقائق القاسية. ترامب رجل الصفقات الذي يسعى دائمًا لاقتناص أكبر قدر من المكاسب مقابل أقل قدر من التنازلات، ولن يقبل بأي اتفاق إلا إذا خرج منه بمشهد يستطيع تقديمه للداخل الأمريكي على أنه انتصار. في المقابل، يدرك بوتين أن أي تنازل عن شروطه في أوكرانيا يعني اهتزاز موقع روسيا الاستراتيجي وفتح الباب أمام تراجع نفوذها، وهو سيناريو لا يمكن القبول به في الكرملين.
الخيار الآخر أمام ترامب هو محاولة فصل روسيا عن الصين، وهو هدف استراتيجي للإدارة الأمريكية الحالية، لكنها مهمة شبه مستحيلة، فالعلاقة بين موسكو وبكين باتت اليوم تحالفًا وجوديًا يواجه العقوبات والحصار الغربي معًا، وأي تراجع فيه سيكون بمثابة خسارة للطرفين في آن واحد.
الملف الأوروبي يمثل بدوره عقدة لا تقل أهمية، فمهما تباينت المواقف بين واشنطن والعواصم الأوروبية، تبقى الهيمنة الأمريكية على القارة العجوز عنصرًا جوهريًا في إحكام السيطرة على أوراسيا. التخلي عن الأوروبيين أو تقليص المظلة الأمنية لحلف شمال الأطلسي قد يدفعهم لتطوير قوة عسكرية مستقلة، وهو ما قد يهدد النفوذ الأمريكي على المدى الطويل. ولهذا، فإن أي صفقة مع روسيا لن تمر دون مراعاة لحسابات الحلفاء الأوروبيين وحفظ ماء وجههم.
وعليه، يبدو أن قمة ألاسكا قد تنتهي دون اختراق حاسم في أوكرانيا، لكنها ستمنح بوتين مكسبًا سياسيًا يتمثل في كسر جزئي لعزلة بلاده وتوجيه ضربة رمزية لمذكرة الاعتقال الدولية بحقه، فيما يحصل ترامب على المشهد الذي يبحث عنه («صورة مع خصم استراتيجي» يبرهن بها على أنه «رجل الفرص القادر» على الحديث مع الأعداء قبل الأصدقاء).
ويبقى التساؤل الإقليمي حاضرًا: هل تمتد صفقات الكبار من أوراسيا إلى الشرق الأوسط، فيشهد الجمعة القادمة بادرة لوقف الحرب على غزة، أم أن الصراع هناك سيظل خارج حسابات هذه الطاولة، بانتظار تسوية أخرى قد لا تأتي قريبًا؟
في النهاية، تعكس قمة ألاسكا طبيعة الصراع الجيوسياسي المعاصر، حيث تتقاطع خطوط النار من شرق أوروبا إلى شرق المتوسط، وتتشابك رهانات القوى الكبرى مع حسابات الداخل، في سباق مفتوح على إعادة رسم خرائط النفوذ لما بعد أوكرانيا.. .!!
(كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. !!)
اقرأ أيضاً
قمة ألاسكا: ترامب وبوتين وجهاً لوجه لبحث إنهاء حرب أوكرانيا
0 تعليق