لم تكن مخرجات قمة ألاسكا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين هي ما تصدّر عناوين الصحف حول العالم، بل المشاهد والرموز التي رافقت اللقاء. فقد ركّزت التغطية الإعلامية الدولية على لغة الجسد بين الزعيمين أكثر من مضمون القمة نفسه، معتبرة أن الصور – من المصافحة على السجادة الحمراء، إلى الابتسامات داخل سيارة "الوحش"، وصولًا إلى لقطة بوتين وهو يصرخ وسط ضجيج القاعة – تختزل رسائل سياسية تفوق في قوتها التصريحات الرسمية. في عالم السياسة الدولية، قد تكون الإشارات غير المنطوقة أكثر تأثيرًا من الكلمات نفسها.
استقبال استثنائي على أرض ألاسكا
حطّت طائرة بوتين في قاعدة "إلمندورف ريتشاردسون" الجوية بألاسكا، في لحظة انتظرها الإعلام العالمي بترقب كبير. لم يكن الأمر مجرد وصول رئيس أجنبي، بل أول ظهور لبوتين على أرض دولة غربية منذ غزوه لأوكرانيا عام 2022. في الاستقبال، كان ترامب في مقدمة مستقبليه، حيث صافحه بحرارة أمام عدسات الكاميرات، وسط حضور واسع من المسؤولين والوفود.
المشهد، الذي تخللته مصافحة ثانية تبادل خلالها ترامب وبوتين المجاملات وربت ترامب على يد نظيره، اعتبره محللون دلالة واضحة على محاولة الزعيمين تقديم صورة ودية، وإن بقيت القضايا الجوهرية عالقة.
رمزية السجادة الحمراء
عبور بوتين للسجادة الحمراء جنبًا إلى جنب مع ترامب كان بمثابة إشارة رمزية على عودة روسيا إلى قلب المشهد الدولي. مجرد ظهوره إلى جانب الرئيس الأمريكي على أرض غربية، بعد سنوات من العزلة والعقوبات، مثّل مكسبًا دبلوماسيًا لموسكو. بالنسبة لترامب، المشهد نفسه كان فرصة ليظهر كرئيس يملك القدرة على فتح أبواب الحوار حتى مع أكثر الزعماء إثارة للجدل.
لقاء خلف الأبواب المغلقة
بعد لحظات الاستقبال، دخل الزعيمان في اجتماع موسع استمر نحو ساعة كاملة، بحضور كبار المساعدين من الطرفين. الوفد الأمريكي ضم وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص ستيف وويتكوف، فيما رافق بوتين وزير الخارجية سيرجي لافروف ومستشاره للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف.
ورغم الترقب الكبير، خرج الاجتماع بلا تصريحات رسمية أو تسريبات حول مضمونه، ما فتح الباب أمام التكهنات. البعض اعتبر أن التكتم دليل على وجود تفاهمات مبدئية تحتاج إلى وقت للإعلان، بينما رأى آخرون أن الصمت يعكس عمق الخلافات وصعوبة التوصل لأي اتفاق في ظل القضايا العالقة، خصوصًا الحرب في أوكرانيا.
استراتيجية الصمت
وسائل الإعلام الغربية أولت هذا الصمت اهتمامًا خاصًا، حيث اعتبرت أن غياب التصريحات قد يكون جزءًا من استراتيجية تفاوضية مدروسة، تمنح الزعيمين مرونة أكبر في إدارة الملفات لاحقًا. وفي المقابل، هناك من رأى أن المشهد لم يتجاوز كونه "عرضًا دبلوماسيًا" هدفه إظهار الود أمام الكاميرات دون نتائج عملية تذكر.
بوتين بين الابتسامة والصراخ
أحد أكثر المشاهد تداولًا كان صورة بوتين وهو يجلس مبتسمًا بجوار ترامب داخل السيارة الرئاسية "الوحش". ابتسامة بوتين فُسرت على نطاق واسع كإشارة إلى انتصاره الرمزي بمجرد الجلوس بجوار نظيره الأمريكي، في قلب بلد غربي.
لكن سرعان ما ظهرت صورة أخرى مثيرة للجدل، التُقطت أثناء جلسة أمام الصحفيين، حيث بدا بوتين وكأنه يصرخ محاولًا الرد على أسئلة وسط ضجيج القاعة، فيما جلس ترامب بهدوء إلى جانبه. هذا التباين في الصور بين "ابتسامة الانتصار" و"صرخة الغضب" شكّل مادة دسمة للتحليلات الإعلامية التي رأت فيها انعكاسًا لتوتر داخلي لدى بوتين، مقابل برودة متعمدة من ترامب.
الصور أقوى من الكلمات
من نيويورك تايمز إلى الغارديان، ومن لوفيغارو إلى إل باييس، عنونت الصحف مقالاتها بتحليل لغة الجسد، معتبرة أن الصور التي خرجت من ألاسكا تحمل رسائل أقوى من أي بيان رسمي. فالمصافحات، النظرات، وحتى طريقة جلوس الزعيمين، اعتُبرت دلائل على موازين قوة غير معلنة، تعكس ما يجري خلف الكواليس أكثر مما تقوله التصريحات الدبلوماسية.
مقارنة مع زيلينسكي
أحد أبرز المحاور التي برزت في التغطية الإعلامية كان المقارنة بين استقبال بوتين واستقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في وقت سابق من هذا العام. حينها، تعرض زيلينسكي لوابل من الانتقادات من ترامب داخل البيت الأبيض، في مشهد أحرج كييف سياسيًا وإعلاميًا.
في المقابل، جاء استقبال بوتين مختلفًا تمامًا؛ وديًا وحافلًا بالرمزية الإيجابية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول أولويات واشنطن، وما إذا كان ترامب يسعى إلى إعادة بناء علاقة مع موسكو حتى ولو على حساب حليفه الأوكراني.
دلالات سياسية
هذا التباين لم يمر مرور الكرام على المعلقين السياسيين، الذين رأوا فيه مؤشرًا على أن واشنطن، تحت قيادة ترامب، قد تعيد النظر في أولوياتها الاستراتيجية، بما في ذلك إمكانية تقليص الدعم المطلق لكييف مقابل فتح قنوات أوسع مع موسكو.
حتَّى اللحظة، لم يخرج ترامب ولا بوتين بإعلان مشترك أو اتفاق مكتوب. لكن كثيرين اعتبروا أن بوتين حقق مكاسب رمزية كبيرة بمجرد مشاركته في قمة كهذه، بينما يحصل ترامب على صور تُظهره كزعيم قادر على التحدث مع الجميع، حتى خصوم الولايات المتحدة التقليديين.
0 تعليق