عبد الناصر يعود من خارج الحدود! - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في لحظات الأزمات والتحولات الكبرى، كثيراً ما تعود الشعوب إلى رموزها التاريخية لتستحضر منهم العزم والإلهام. وفي مشهد لافت يعيد للأذهان قيمة الزعماء الذين تجاوزت بصماتهم حدود الزمان والمكان، جاءت زيارة الرئيس الفيتنامي إلى مصر، ليضع في مقدمة برنامجه زيارة منزل الزعيم جمال عبد الناصر، قبل أي لقاء رسمي أو نشاط بروتوكولي.

عندما يتجاوز الزعيم حدود جغرافيته وأمته

ذلك المشهد لم يكن مجرد بروتوكول أو لفتة مجاملة، بل كان تعبيراً عن اعتراف حيّ وعميق بمكانة رجل تجاوزت تجربته حدود بلاده ليصبح أيقونة نضال عالمي ضد الاستعمار والإمبريالية.

لم يتوقف الأمر عند فيتنام، بل تكرر في مشهد آخر حين وقف الرئيس الأوغندي في القاهرة، وأمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليذكر عبد الناصر في خطابه باعتباره رمزاً إفريقيا وعربياً أسهم في تحرير القارة من قيود الاستعمار، ووضع أسساً لحركة تحرر وطني ما زالت تلهم قادتها حتى اليوم.

هذان المشهدان يضعاننا أمام حقيقة يصعب إنكارها: عبد الناصر يعود بروحه ورمزيته من خارج حدوده الجغرافية ومن خارج أمته العربية. بينما قد يتعرض داخل وطنه لانتقادات وهجوم لا يتوقف، إلا أن صورته خارجياً تبدو أكثر إشراقاً وعمقاً، وربما أكثر إنصافاً.

ذاكرة الآخرين أكثر إنصافاً

زيارة الرئيس الفيتنامي لمنزل عبد الناصر لم تكن مجرد حدث شخصي أو اختيار عاطفي. فيتنام التي عانت من ويلات حرب مدمرة ضد الإمبريالية الأمريكية، تجد في عبد الناصر شريكاً في الذاكرة، ورمزاً لرجل لم يتردد في دعم نضالها السياسي والمعنوي. أما إفريقيا التي قاد ناصر معاركها من منصة باندونغ ومنظمة الوحدة الإفريقية، فهي ما زالت تستحضر صورته كقائد حلم بالحرية والكرامة لكل شعوب الجنوب.

هنا يظهر البعد الأعمق: الزعيم الذي حورب داخل بلده وما زال إرثه محل جدل داخلي، يستعيد مكانته في ذاكرة الآخرين ممن شاركهم المعركة على جبهة واحدة ضد الاستعمار والهيمنة.

رمزية الخارج وغياب الداخل

اللافت أن عودة روح عبد الناصر جاءت من الخارج لا من الداخل. وكأن العالم يعيد للأمة ما تحاول نخب داخلها محوه أو التقليل من قيمته. هذه المفارقة تكشف عن أزمة في الوعي العربي تجاه رموزه، في وقت تلتقط فيه الشعوب الأخرى تلك الرمزية وتتمسك بها.

ربما هو قدر الزعماء الكبار أن يُحاصروا في أوطانهم، بينما تتسع لهم قلوب وألسنة الآخرين.

الخلاصة

إن ذكر عبد الناصر في خطابات قادة آسيويين وأفارقة اليوم، يعكس أن الرجل لم يكن مجرد زعيم قومي أو رئيس لدولة، بل كان صوتاً لزمن التحرر العالمي. إنه يعود من جديد، لكن عودته هذه المرة تأتي من خارج الحدود، ومن خارج أمته العربية، ليذكرنا أن الرموز الحقيقية لا تموت، حتى وإن تعرضت للتشويه والهجوم في أوطانها. ويبقى السؤال مفتوحاً أمام القارئ: هل نحتاج اليوم إلى استدعاء روح عبد الناصر، أم إلى صناعة زعامة جديدة تلبي تحديات العصر وتعيد للأمة مكانتها؟

قد يبهت البريق في الداخل، لكن الضوء يظل مشعاً في ذاكرة الآخرين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق