يشهد ملف قانون الإيجار القديم جدلًا متصاعدًا في الشارع المصري، خاصة بعد طرح الحكومة تعديلات جديدة للمناقشة البرلمانية، هذه التعديلات، التي تقضي بتحرير العقود بين المالك والمستأجر خلال خمس سنوات، ما أثار ردود فعل متباينة تراوحت بين غضب المستأجرين وارتياح الملاك.
كنا قد ناقشنا العدد الماضي وجهة نظر المستأجرين الذين عبروا عن رفضهم الكامل للقانون المقترح، الذى تناقشه اللجنة المشتركة بمجلس النواب، والذي وصفه المستأجرون بأنه يميل بشكل صارخ لصالح الملاك على حساب حقوق أكثر من 3 ملايين مستأجر سكني وتجاري يمثلون ما لا يقل عن 15 مليون مواطن.
لذا تواصلت «الأسبوع» مع مجموعة من مُلاك العقارات لمعرفة تجاربهم وآرائهم في التعديلات الجديدة في قانون الإيجار القديم.
في البداية، يستعرض أبو بكر إسماعيل، البالغ من العمر 69 عامًا وهو مالك عقار يقع في حي الساحل بشبرا مصر، تجربته مع الإيجار القديم، يذكر أنه اضطر لدفع مبالغ مالية لبعض المستأجرين لإخلاء شققهم حتى يتمكن من تزويج ابنه، على الرغم من أن بعض هؤلاء المستأجرين كانوا مقتدرين ماليا ولديهم القدرة على الانتقال إلى شقق أخرى في مناطق سكنية مختلفة.
ويوضح إسماعيل أن عقاره الحالي يضم خمس شقق بنظام الإيجار القديم، حيث يتمتع بعض المستأجرين بحسن الجوار والأخلاق الطيبة، بينما يتفنن آخرون في إزعاجه، مما وصل إلى حد تدخل النيابة بسبب الخلافات والإزعاج المستمر منهم ومن أطفالهم الصغار.
ويؤكد أن علاقته ببقية المستأجرين يسودها الود والرحمة، فقد جمعتهم سنوات طويلة والكثير من المواقف الطيبة. ويشير بشكل خاص إلى مستأجر يعمل دكتور تحاليل يرعى والدته المريضة وتفرغ لها بترك عمله، مؤكدًا أنه سيدعم هذا المستأجر دائمًا، وحتى في حال تطبيق القانون، فإنه لن يطالب بإخلائه، بل وأوصى زوجته وأولاده بعدم إخراجه من العقار بعد مرور الخمس سنوات التي حددتها الحكومة، مشددًا على أن المستأجرين غير القادرين سيحظون بدعمهم في جميع الأحوال.
ويسترسل إسماعيل قائلًا: «ليس كل الأرامل فقيرات أو من محدودي الدخل، وليست كل المعاشات محدودة الدخل»، مشيرا إلى أن هناك العديد من أصحاب المعاشات لديهم أرصدة في البنوك ويستطيعون دفع مبالغ إيجار جديدة، لكنهم يتمسكون بالإيجار القديم.
ويضيف أن نسبة المستأجرين غير القادرين على دفع الإيجارات الحديثة لا تتجاوز 10%، بينما الباقون لديهم القدرة على الدفع.
وفي سياق متصل، يرى محمد شعبان، وهو مالك عقار بالإيجار القديم ويبلغ من العمر 50 عامًا ويقيم في مركز طهطا بمحافظة سوهاج، أن المهلة التي حددتها الحكومة للمستأجرين بخمس سنوات طويلة للغاية. ويقترح أن فترة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات كحد أقصى تعتبر كافية لتسوية أوضاع الإيجارات القديمة.
ويشير إلى أن بعض المستأجرين لديه يمتلكون منازل بديلة، وعمارات، وشققًا في المناطق الساحلية، بالإضافة إلى سيارات، إلا أنهم يفضلون البقاء في الشقق ذات الإيجار القديم نظرًا لتكلفتها المنخفضة جدًا، بل ويطلبون مبالغ مالية كبيرة مقابل إخلائها.
وفيما يتعلق بقرار الحكومة المقترح بزيادة القيمة الإيجارية إلى ألف جنيه في المدن و500 جنيه في القرى، وصف شعبان هذا المبلغ بأنه غير كافٍ.
ويذكر أنه يمتلك محلًا تجاريًا مستأجرًا بنظام الإيجار القديم منذ عام 1987، حيث قام والده باستئجاره، ويدفع هو حاليًا إيجارًا قدره 64 جنيهًا كل سنتين. وأكد أنه في حال تطبيق قرار الزيادة على محله، فإنه سيرحب بقرار الحكومة، كونه مالكًا ومستأجرًا في الوقت نفسه.
وفي السياق ذاته، يؤكد حسين كمال، وهو مالك عقار مكون من ثماني شقق في مدينة دمنهور ويبلغ من العمر 60 عامًا، أن نصف شقق عقاره تخضع لنظام الإيجار القديم.
ويشير إلى أن هذا القانون يقيد حقوق الملكية ويُضعف سلطة المالك على ممتلكاته، مما يتعارض مع الدستور الذي يكفل حماية حقوق الملكية، ويرى أنه يجب أن يتمتع المالك بحرية التصرف في ملكه.
ويوضح "كمال" أن عقود الإيجار القديم غير محددة المدة، مما يسمح للمستأجرين بتوريث الشقق لأبنائهم، بالإضافة إلى قيامهم بتعديلات وإصلاحات في العقار دون الحصول على إذن من المالك.
ويذكر أنه يرفض استلام الإيجار منذ عشرين عامًا بسبب قيمته الزهيدة التي لا تتجاوز عشرة جنيهات، مؤكدًا أن هذه الإيجارات لا تتناسب إطلاقًا مع القيمة السوقية للعقارات.
ويشرح أن هذه العقارات تمثل استثمارًا لأصحابها، حيث وضعوا فيها "شقى عمرهم " للاستفادة منها وتوريثها لأبنائهم، وليس لتمكين مستأجر من الاستحواذ عليها وتجميدها لحسابه ولورثته بموجب عقد إيجار قديم.
ويصف "كمال" وضع المالك بأنه أصبح "شرفيًا" فقط، ويشير إلى وجود فرق شاسع بين الملكية الفعلية والملكية الشرفية.
ويؤكد أن قانون الإيجار القديم يضع المالك في موضع الملكية الشرفية، بينما يتحمل هو المسؤوليات الجنائية والمدنية أمام الدولة في حال حدوث أي مشكلة في العقار، في حين يستفيد المستأجر من العقار بشكل كامل دون تحمل أي مسؤولية، ويرى أن هذا الوضع يمثل خللًا كبيرًا.
ويرى «كمال» أن فترة الخمس سنوات التي حددتها الحكومة لإخلاء المستأجرين يجب ألا تنطبق على جميع الحالات، بل يجب أن يكون هناك استثناءات لبعض المستأجرين غير القادرين، الذين يجب الوقوف بجانبهم. أما المستأجرون القادرون، فيجب عليهم إخلاء الشقق فورًا نظرًا لقدرتهم المالية على شراء شقق أخرى.
ويقترح كمال حلًا لمشكلة المستأجرين غير القادرين من خلال التواصل مع وزارة الإسكان وتسجيل بياناتهم لديها، لتقوم الوزارة بالتحقق من استحقاقهم لشقة جديدة في الإسكان الاجتماعي. وبعد حصولهم على صك ملكية للشقة الجديدة، يتعهد الملاك بعدم إخراجهم من الشقق التي يقيمون فيها إلا بعد استلامهم شقة الدولة، سواء كانت إيجارًا تمويليًا أو عاديًا.
ويرى أن هذه الآلية تضمن حقوق المستأجرين المستحقين غير القادرين، ويؤكد أن الملاك سيكونون على استعداد لمساعدة الدولة في رعاية هؤلاء المستأجرين.
ومن جانبه، يصف عماد حمدي، وهو مالك عقار يبلغ من العمر 35 عامًا ويقع في حي شعبي بشارع العشرين، ترعة عبد العال 2، بمنطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، الوضع الذي يواجهه مع مستأجري الإيجار القديم، يقول: "هناك مستأجرون في عقاري غير قادرين ماديًا على إخلاء السكن والانتقال إلى مكان آخر، وأنا أتفهم وضعهم الإنساني ولا أطلب منهم المغادرة.
ولكن في المقابل، هناك مستأجرون قادرون على الانتقال إلى مساكن أخرى في أحياء راقية، لكنهم يرفضون ذلك ويستغلون قانون الإيجار القديم".
ويضيف: «لدي العديد من الشقق المغلقة في عقاري، وأصحابها لا يقيمون فيها، بل ولا يقيمون في الحي بأكمله، ومع ذلك يرفضون إخلاء الشقق، مما يسبب لي ظلمًا كبيرًا ويحرمني من الاستفادة من هذه الشقق التي أنا في أمس الحاجة إليها ماديًا».
ويناشد حمدي الحكومة لإيجاد حل يرضي الطرفين، ويحقق العدالة بين المالك والمستأجر، أو على الأقل وضع حالات استثنائية لكبار السن والأشخاص غير القادرين ماديًا، ويشير إلى أن المناطق العشوائية مكتظة بملايين الأشخاص ذوي القدرات المادية المحدودة.
ومن جهتها، أعربت فاتن حسن، البالغة من العمر 66 عاما، صاحبة عقار بشارع عبد الحميد سعيد بمنطقة وسط البلد، محافظة القاهرة، عن تأييدها الشديد لتعديل قانون الإيجار القديم، موضحة أن القانون يحمل في ثناياه ظلما كبيرا لمالك العقار.
وأشارت إلى أنه لابد من إخلاء المستأجرين للعقارات التجارية دون إعطائهم مهلة انتقالية كبيرة، معللة ذلك بأنهم يبيعون منتجاتهم بالأسعار الحالية ويمتلكون أموالا طائلة ومقابل ذلك يدفعون مبلغ إيجار بخس.
وعلى نقيض ذلك قالت إن «العقارات السكنية يجب أن يكون لها فترة انتقالية حتى يوفقوا أوضاعهم، مشيرة إلى أن مدة خمس سنوات التي حددتها الحكومة تعتبر كبيرة وكانت تكفي مدة ثلاث سنوات فقط».
وأضافت: «لابد من استعادة الشقق المغلقة للمالك فورًا بدون إي إجراءات قانونية لأنها تأخذ مدة طويلة».
وأعربت سيدة العقار عن رفضها الشديد لإعطاء المستأجر أي مبلغ مادي مقابل خروجه من السكن، معللة ذلك بأن المستأجر مكث مدة طولية هو وأبناؤه بالسكن بمقابل بسيط جدا.
ومن ناحيته، قال عمرو حسن البالغ من العمر 45 عاما، صاحب عقار بشارع طلعت حرب، بمحافظة القاهرة، إن إلغاء قانون الإيجار القديم سيساعد المالك في استعادة حقوقه المهدورة.
وعبر «عمرو» عن حزنه الشديد من الظلم الواقع على الملاك، قائلا: إنه من الظلم أن يكون صاحب العقار، يمتلك عمارة كبيرة بها العديد من الشقق السكنية بمكان راق ويستطيع من خلالها الحصول على أموال طائلة في حالة تأجيرها بعقد جديد، ولكنه في النهاية لا يستطيع فعل ذلك بسبب قانون الإيجار القديم الذي وضعه في عنق زجاجة، ويجعله لا يستطيع التحكم في ملكه، حتى في حال إذا كانت الشقق السكنية مغلقة لسنوات طويلة.
وأضاف: «إنه يوافق على إعطاء المستأجر مبلغا من المال مقابل إخلاء السكن، ولكن في حال إذا طلب المستأجر مبلغا مناسبا، مشيرًا إلى أن معظم المستأجرين يحاولون الحصول على أكبر قدر من الأموال لإخلاء السكن وهذا الأمر يرفضه الملاك تماما».
وأوضح: «إنه من الممكن الوصول لحل وسط بين الطرفين، وهو الاتفاق على قيمة إيجارية جديدة قابلة للزيادة السنوية»، لافتًا إلى أن هذا الحل سيضمن للمستأجر عدم خروجه من السكن ويضمن للمالك حقة المادي».
ولفت صاحب العقار: «إلى أن المستأجرين التجاريين يستغلون فرصة الإيجار القليل الذي يدفعونه، ويقومون بتأجير المحل الخاص بهم، لمستأجر آخر، تحت بند «الشراكة» أمام مالك العقار، حتى يتمكنوا من كسب أموال طائلة من وراء هذه اللعبة، وفي المقابل لا يزال صاحب العقار هو المظلوم، ويحصل على المبلغ البسيط المحدد له بموجب قانون الإيجار القديم.
اقرأ أيضاً
من حقوق الملاك إلى مخاوف تشريد السكان.. مناقشات ساخنة لمشروع قانون الإيجار القديمظلم امتد لعقود.. محامٍ بالنقض: المستأجر هو الطرف الأكثر حاجة لقانون الإيجارات الجديد
0 تعليق