وسط الصخب المعتاد لمدينة الإسكندرية، حيث تتسارع الحياة اليومية، يبرز مشهد فريد في منطقة سموحة الهادئة: عربة كتب متنقلة تكسر النمط التقليدي للمشروعات التجارية.
هذه العربة، التي كانت في الأصل سيارة عادية، تحولت إلى ملاذ ثقافي بفضل شقيقتين، يسر وسويلة عصام، اللتان قررتا إحياء حب القراءة الورقية بمساعدة والدتهما.
شغف توارثته الأجيال
تقول يسر عصام، صاحبة الفكرة، أن هذه المبادرة ليست مجرد مشروع تجاري، بل هي امتداد لشغف ورثته عن والدها الذي كان يؤمن بأن المعرفة هي الثروة الحقيقية.
أضافت يسر إن والدها غرس فيها حب الكتب منذ الصغر، مما دفعها لتحويل سيارته إلى مكتبة متنقلة تجوب شوارع الإسكندرية لنشر الثقافة.
بدأت الفكرة قبل نحو 5 سنوات، وكانت البداية بسيطة وغير واضحة، لكن ردود فعل المارة الإيجابية كانت الحافز الأكبر.
تتذكر يسر أول شخص شجعها قائلًا: "ما زال هناك من يقرأ"، وهي الكلمات التي منحتها الثقة للاستمرار، ومع مرور الوقت، لم يقتصر الدعم على التشجيع فقط، بل وصل إلى التبرع بالكتب والمساعدة في تطوير المشروع.
من عربة إلى مشروع متكامل
مع النجاح الذي حققته العربة، قررت الشقيقتان توسيع نطاق مشروعهما ليشمل العالم الافتراضي، أنشأتا صفحات على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام، بالإضافة إلى مجموعة على واتساب، للتواصل مع القراء، وتبادل التوصيات الأدبية، والإعلان عن أماكن تواجد العربة.
أما سويلة عصام، شريكة يسر، فتؤكد أن شغفهما بالقراءة بدأ منذ الطفولة بفضل حرص والديهما على اصطحابهما إلى المكتبات وشراء الكتب المتنوعة، مشيرة إلى أن المشروع بدأ لأول مرة على طاولة صغيرة أسفل منزلهما، قبل أن يتحول إلى عربة متنقلة بدعم من الأصدقاء والعائلة، وتؤمن سويلة بأن الكتاب الورقي يمتلك سحرًا خاصًا لا يمكن أن توفره الكتب الإلكترونية، وهو ما دفعها لتقديم خدمة التوصيل للمنازل للقراء الذين يفضلون الكتب الورقية.
تمكين بالتعليم والعمل
من جانبها، ترى والدة الشقيقتين أن هذا المشروع جاء كحل مبتكر للتحديات الاقتصادية، وكوسيلة لتمكين ابنتيها من الاعتماد على أنفسهما، بدلاً من انتظار الوظيفة الحكومية، مضيفة إن الهدف لم يكن ماديًا بقدر ما كان تدريبيًا، حيث يتيح للفتاتين فرصة للتعامل مع المجتمع وبيع "سلعة محترمة" تجذب جمهورًا مثقفًا، مما يساهم في صقل شخصيتهما.
وبعد خمس سنوات من العمل الجاد، لم تعد العربة مجرد مشروع صغير، بل أصبحت جزءًا من نسيج مدينة الإسكندرية، ونافذة تطل منها الفتاتان على عالم مليء بالثقافة والمعرفة. بفضل هذا المشروع، استطاعت يسر وسويلة أن تحققا حلمًا صغيرًا، وأن تثبتا أن الشغف يمكن أن يتحول إلى قصة نجاح ملهمة.
أخبار متعلقة :