الكويت الاخباري

شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري: علاقتي بعمر سليمان - الكويت الاخباري

ملامح عمر سليمان الصعيدية الجامدة كانت تمنحه هيبة كبيرة في كافة الأوساط

عمر سليمان: في بلد كمصر أنت كالفراشة عندما تقترب من النور والأضواء ستحترق حتمًا

وصفته أمريكا بالأكثر دهاء والمصريون يسمونه بـ«الرجل الغامض»

هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودي بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.

أروى هذه الشهادات التي ينشرها موقع "الجمهور" بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.

الخطيئة المسكوت عنها

كنتُ قد تعرَّفتُ على اللواء عمر سليمان، منذ فترة طويلة.. لأنه بلدياتي وهو من مركز قفط محافظة قنا، كان يتحدث معي بصراحة ووضوح في كثير من الأزمات التي عاشها الوطن في هذه الفترة، كان دائمًا يقول: «إن أكثر ما يخيفني على مصر وعلى الرئيس، هو بعض المحيطين به والذين يتصرفون في البلاد وكأنها عزبة»!!

وعندما كنت أسأله عن جمال مبارك وعن الآخرين وعن التوريث كان يقول دومًا: «مصر أكبر من كل هؤلاء، ولن يستطيع أحد أن يجبر المصريين على شيء لا يقبلون به».

كان عمر سليمان يعرف أن ملف التوريث فيه مقتل للنظام ونهاية له، كان حريصًا، يقرأ المستقبل بعيون الوطن، كان يحذر، لكن أحدًا لم ينصت إليه، كان يقول إن هذا الملف هو الخطيئة المسكوت عنها، وكان على ثقة بأن الأمر لن يمر بسهولة، فى عام 2006 تحدث مع الرئيس مبارك بكل صراحة ووضوح، وقال له: «ياريت جمال مبارك يسافر بره شوية»، وعندما سأله الرئيس.. طب ليه؟، رد عليه عمر سليمان بالقول: «الناس كلامها كتير، وأنا خايف عليه، والبلد موش مستحملة»!!

أدرك الرئيس المعنى جيدًا، صمت، لم يرد، كانت الضغوط لا تتوقف على الرئيس، لكن مبارك كان يتردد كثيرًا، ويقول للمقربين منه: «أنا خايف عليه.. ده ميقدرش على مصر، والبلد أوضاعها صعبة».

كان عمر سليمان يراقب الأوضاع عن كثب، إنه يعرف تمامًا أن الرئيس يتعرض لضغوط لا حدود لها، كان يعرف التفاصيل، ولذلك كان يسعى دومًا إلى أن يكون بجانبه.

علاقة ممتدة مع عمر سليمان

ظل بعيدًا عن الأضواء وعن الصراعات التي تزايدت حدتها داخل مؤسسات الدولة، ومع ذلك كان كثير من المحللين يقولون دومًا: «إنه الرجل الأقوى في مصر، والمرشح الأكثر حظًا لخلافة مبارك». كان يمسك بالعديد من الملفات الداخلية والخارجية، وكان يمضى دائمًا جنبًا إلى جنب مع وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في زياراته الخارجية إلى دول العالم.

عندما اختاره مبارك مديرًا للمخابرات العامة في 4 مارس 1991، جاء محملاً بتاريخ طويل في المؤسسة العسكرية، كان آخر حلقاته رئاسة جهاز المخابرات الحربية، لم يكن أحد يعرف عنه شيئًا، كان يقول دومًا: «في بلد كمصر، أنت كالفراشة عندما تقترب من النور والأضواء ستحترق حتمًا وبلا جدال».

مصطفى بكري وعمر سليمان وأحمد قذاف الدم وسامي عنان

وعندما نشرت له صورة في نهاية التسعينيات، اتصل بي مسئول كبير في جهاز الأمن القومي، وقال لي: «الوزير عمر يترجاك ألا تنشر له أية صور شخصية»، لم أبد دهشة أو استغرابًا، كنت أعرف أن هناك تعليمات صارمة للصحف بالابتعاد عن هذا الملف.

كنت قد حصلت على الصورة من الدكتور على السمان، قدمها إليّ خلسة وكأنه يقدم إليّ شيئًا ممنوعًا، يومها قال لي: «الوزير عمر سليمان يرفض أن تظهر صورته أو أية أخبار عنه، أنا أعطيك الصورة وأنت صاحب القرار.. .»!!

كان صامتًا في أغلب الأحيان، ملامحه الصعيدية الجامدة كانت تمنحه هيبة كبيرة في كافة الأوساط، كان ملمًا بالأوضاع ومحللاً عميقًا للأحداث، أنه الرجل الذى قال عنه الرئيس الفرنسي (الأسبق) جاك شيراك «استوقفني في كل لقاء جمعني بالوزير عمر سليمان، دقة تحليلاته وبعد نظره وقوة التزامه الشخصي والعزم في خدمة مصر».

كان رجل المخابرات الأول الذى وصفته أمريكا بأنه الأكثر دهاء، وكان المصريون يسمونه بـ«الرجل الغامض» الذى يمتلك وحده مفاتيح الصندوق الأسود.

كان عمر سليمان يحزن عندما كان يرى أن البعض يغالط الكثير من الحقائق ويردد الكثير من الأكاذيب، وعندما قام وفد شعبى بزيارة إثيوبيا بعد أحداث 25 يناير راح البعض يردد كلام زيناوى الذى اتهم عمر سليمان بالعجرفة وحمله مسئولية تردى العلاقات بين مصر وإثيوبيا.

يومها سألت عمر سليمان عن ذلك فقال: «يعنى زيناوى يتهمني بالعجرفة وأهلي يصدقون الغريب، للأسف زيناوى كان معاديًا لمصر ويتحمل وحده مسئولية ما آلت إليه العلاقات المصرية - الإثيوبية بسبب إصراره على بناء سد الألفية والانتقاص من حق المصريين في كمية المياه المحددة بمقتضى الاتفاقات الدولية».

وقال عمر سليمان: «كيف يتصور البعض أنني أعمل ضد مصلحة بلدي، لقد بذلت كل ما في وسعى من أجل هذا الملف على وجه الخصوص».

وحكى لي عمر سليمان أصل الحكاية بالقول: «إن رئيس وزراء إثيوبيا «ميليس زيناوي» كانت لديه قناعة بأن مصر تساند إريتريا ضده بهدف إسقاط نظامه، وأن مصر كانت تهدف إلى السيطرة على إفريقيا من خلال مساندة طرف ضد طرف آخر».

وقال: «إن مصر كانت ضد فكرة سد الألفية من الأساس وأن ذلك كان سبب غضب إثيوبيا من مصر» لأنها رأت أن الحكومة المصرية وعمر سليمان تحديدًا يعرقل خطوات إثيوبيا نحو بناء هذا السد.

وقال عمر سليمان: «إن اجتماعًا عقد بين الرئيس مبارك وزيناوى بحضورى، وأن مبارك قال لزيناوى: «إن مصر لن تسمح بالمساس بحصتها فى مياه نهر النيل، وطالبه بضرورة الالتزام بالاتفاقيات الخاصة بذلك».

كان عمر سليمان يحذر وينذر منذ عام 2004، عندما قررت إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش اعتماد خطة تقوم على الاتفاق مع جماعة «الإخوان المسلمين» كركيزة لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط فى مصر والمنطقة.

كان عمر سليمان يرفع التقارير ويحذر من خطر المؤامرة ويطالب بالإصلاح إلا أن الرئيس مبارك كان قد فتح الطريق أمام الإخوان والمرتبطين بالمشروع الأمريكي للتحرك بحرية في ربوع الوطن، ظنًا منه أنه بذلك يأمن شرهم، فراحوا يحشدون الجماهير ويستغلون الانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغياب الأمل وانتشار الفساد ليدفعوا بهم إلى مواجهة قوية استهدفت إسقاط الدولة وليس تغيير النظام.

قصة البديل الحقيقى

فى سبتمبر 2010 كان عمر سليمان يرافق الرئيس مبارك خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، وكان الموقف الأمريكى من نظام الحكم فى مصر لا يزال على حاله، كانت الأزمات متصاعدة والانتقادات المتبادلة مستمرة فى الإعلام والصحافة وأيضًا داخل الغرف المغلقة.

فى هذا الوقت استيقظ الناس على ملصقات تحمل صور اللواء عمر سليمان مكتوب عليها «البديل الحقيقى.. عمر سليمان رئيسًا للجمهورية» تم تعليقها على جدران أحياء القاهرة والجيزة وتحديدًا فى أحياء المعادى ومصر القديمة والمهندسين وإمبابة وبولاق الدكرور وشبرا.

ثار جدل كبير في كافة الأوساط وتساءل الناس: مَنْ يقف وراء هذه الملصقات؟ وما الهدف منها؟

ملصقات تدعم ترشيح عمر سليمان رئيسا للجمهورية

لقد تردد في هذا الوقت اسم أحمد عز رجل الأعمال وأمين تنظيم الحزب الوطني: يهدف إحداث وقيعة بين الرئيس مبارك ومدير المخابرات العامة عمر سليمان غير أن الحقيقة كانت غير ذلك.

لقد قيل إن هناك بعض الشباب، وتحديدًا ممَّنْ تلقوا تدريبات في خارج البلاد على الثورة ضد النظام، كانوا هم أنفسهم وراء ذلك، بهدف التعجيل بنهاية الرئيس مبارك وطرح بديل شعبي مقبول لخلافته، خاصة بعد أن تساءلت وسائل الإعلام كثيرًا عن البديل المنتظر!!

لقد صدر بيان عمَّا يسمى بـ«الحملة الشعبية لدعم عمر سليمان رئيسًا لمصر»، طالب فيه أعضاء الحملة بضرورة ترشيح عمر سليمان كبديل للرد على ما يتردد عن احتمال توريث الحكم لجمال مبارك.

وقال البيان: «تمر مصر الآن بمرحلة فارقة فى تاريخها، قد يعقبها انطلاق لركب التقدم والتطور لتصعد مصر إلى مصاف الدول المتقدمة أو قد تنجرف إلى نفق مظلم».

وأضاف البيان: «إزاء ما تردد مؤخرًا عن الحالة الصحية للرئيس مبارك، ومع قرب حلول الاستحقاق الرئاسى فى ظل معارضة مقيدة ومكبلة، وفى ظل تصاعد الحملة المدعومة أمنيًا التى يقودها أنصار جمال مبارك من أجل تصعيده كبديل رئاسى فى لحظة فارقة، فإننا نرى أن السبيل الوحيد لمواجهة مشروع التوريث هو جناح من داخل النظام».

وقال البيان: «إن السيد اللواء عمر سليمان كان بسجله الوطنى النظيف، ودوره الكبير الذى لعبه على مستوى علاقة مصر بقضايا خارجية مهمة وحساسة بمثابة بديل حقيقى مطروح بقوة».

لقد تلقى اللواء عمر سليمان تقريرًا عاجلاً عن هذا الحدث متضمنًا معلومات أولية حول مَنْ يقف وراءه، ويومها ذُكر اسم الناشط السياسى شادى الغزالى حرب وآخرين، لأسباب معروفة.

طلب عمر سليمان التكتم على هذا الحدث وحذَّر من خطورة نشر أى معلومات حوله، فقد أدرك أن الهدف هو إثارة الجماهير والوقيعة بينه وبين الرئيس مبارك، اتصل بى مسئول كبير من جهاز الأمن القومى هو اللواء جلال فتح الله فى هذا الوقت سألنى عن رأيى فى كيفية الرد على هذه الشائعة.. وتحدثنا طويلًا فى هذا الأمر.

لقد التقى عمر سليمان مع مبارك أثناء زيارتهما إلى الولايات المتحدة، وأبلغه بوقائع ما جرى فى القاهرة، وقال إنه مندهش من هذه الوقيعة التى أراد البعض من ورائها إفساد علاقته بالرئيس، استمع مبارك إلى حديث عمر سليمان، ثم سرعان ما قال له: «وهل تظن أننى سأستمع لهؤلاء؟ ثقتى فيك كبيرة يا عمر، وأنت من أوفى وأخلص الرجال، لا تهتم كثيرًا».

انتهت هذه الأزمة عند هذا الحد، لكن ظلت محاولات الوقيعة بين مبارك وعمر سليمان لا تتوقف حتى اليوم الأخير لرحيل مبارك عن السلطة في الحادي عشر من فبراير 2011.

لم يسلم عمر سليمان من محاولات الوقيعة، كان جنديًا كما كان يقول، وكان مستعدًا للعمل في أي مكان من أجل خدمة الوطن، وكان دائمًا يسمو على الصغائر، ويحرص على أن يعبِّر عن موقفه بكل أمانة وصدق.

القشة التي قصمت ظهر البعير

لقد حكى لي اللواء عمر سليمان أنه وبعد إصرار يوسف بطرس غالى على فرض الضريبة العقارية على المساكن استدعاه إلى مكتبه قبيل إصدار القانون وقال له: «يجب إعفاء المسكن الخاص من الضريبة، وأرجو منك أن تؤجل إصدار القانون في هذا الوقت، خاصة وأن الأحوال الاقتصادية لكثير من فئات المجتمع ليست على ما يرام».

يوسف بطرس غالي

قال عمر سليمان: للأسف ظل يوسف بطرس غالى يجادل مع في مكتبي لأكثر من ساعة، ثم فوجئت بعد ذلك بصدور القانون رغم أن الرئيس مبارك كان قد طلب في وقت سابق من د.مفيد شهاب وزير الدولة للشئون البرلمانية والقانونية أن يؤجل عرض هذا القانون.

وكانت انتخابات مجلس الشعب التي جرت في نهاية عام 2010 هي القشة التي قصمت ظهر البعير، لقد أدرك السيد عمر سليمان أن النظام ارتكب الخطيئة الكبرى بتعمده تزوير الانتخابات وإسقاط المعارضين في انتخابات مجلس الشعب التي سبقت قيام ثورة 25 يناير بقليل.

بعد الانتخابات مباشرة كنتُ قد التقيتُ السيد عمر سليمان في لقاء مطول استمر لأكثر من ساعتين في مكتبه بمبنى المخابرات العامة، وقد أكد لي «أن أحمد عز - أمين التنظيم بالحزب الوطني ورجل جمال مبارك القوى كان قد زاره قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية»!!

وقال لي: لقد حذرتُه من تزوير الانتخابات وطالبته بالسماح بفوز من 120 - 150 من المعارضين على الأقل، إلا أن أحمد عز رفض هذا الاقتراح بشدة، وقال: «أبدًا لن نسمح لمعارض واحد بالفوز هذه المرة»، وأضاف: عندما حذرته من خطورة ذلك، وقلت له: «إن البلد على فوهة بركان فلا تساعدوه على الانفجار سريعًا»، رد عليّ وقال: «إنه لم يعد هناك خيار بديل، فنحن نريد مجلس شعب خالصًا، لأن المرحلة القادمة هي الأهم في مصر»!!

فشل صفقة الحزب الوطني والإخوان

كان عمر سليمان يحدثني بألم ومرارة، وقال لي في هذا الوقت: «أحمد عز حيودي البلد في داهية»!!

كانت المعلومات في هذا الوقت تتحدث عن فشل صفقة الاتفاق بين الحزب الوطني وجماعة الإخوان، حيث رفض الإخوان عرض الحزب الوطني بمنحهم ثلاثين مقعدًَا في مجلس الشعب القادم، إلا أن ممثلي الجماعة طالبوا بزيادة الحصة إلى 45 نائبًا فرفض الحزب الوطني هذا المطلب ففشلت المفاوضات وانتهى الأمر عند هذا الحد، وكان ذلك هو ما يتمناه أحمد عز.

أحمد عز يستخرج كارنيه مجلس الشعب

حدث ما توقعه عمر سليمان، إذ زاد الاحتقان في البلاد بشكل كبير، وتصاعدت موجة التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الرافضة لتزوير الانتخابات في العديد من المحافظات.

كان عمر سليمان رافضًا لنتائج الانتخابات البرلمانية، وقد أعلن معارضته وحذر من خطورة المرحلة القادمة، وأكد أن النظام إذا لم يجد مخرجًا من هذه الأزمة فإن الدعوات التي تنطلق على الفيس بوك للتظاهر يوم 25 يناير سوف تجد لها صدًى شعبيًا كبيرًا من شأنه أن يُحدث قلاقل كبرى في البلاد.

وينشر موقع «الجمهور» يوم «الجمعة» من كل أسبوع، شهادةَ الكاتب والبرلماني مصطفى بكري، عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.

أخطر سيناريو يواجه المنطقة بعد زيارة ترامب.. «مصطفى بكري» يكشف التفاصيل

«مصطفى بكري»: السيسي هو الرئيس الوحيد الذي قال «لا » لـ ترامب

نموذج لرجل الدولة.. «مصطفى بكري» يكشف سبب عدم دخول عمر سليمان السباق الرئاسي في 2012

أخبار متعلقة :