"اكتئاب ما بعد التخرج".. حين تنطفئ فرحة الشهادة وتبدأ أسئلة الحياة.. واستشاري يُشخِّص الحالة - اخبار الكويت

0 تعليق ارسل طباعة
تم النشر في: 

26 مايو 2025, 7:35 مساءً

لا شيء يضاهي فرحة التخرج ومظاهرها، من احتفالات، وتصفيق، وارتداء البشوت أو العباءة، وصور السيلفي، وباقات الورود والهدايا التي تملأ الغرف والقلوب.. التي يشعر معها الشاب أو الفتاة بأن العالم كله بين يديه بعد سنوات من الجهد والسهر، وأنه حان وقت الحصاد، أو هكذا يُفترض.

لكن ما إن تمرّ أسابيع قليلة، ثم شهر أو شهران، حتى يبدأ الشعور بالفراغ يتسلل، وتنتهي التهاني، وتذبل الورود، وتبقى الشهادة معلقة على الجدران.. بينما تتوالى الأسئلة القاسية: ماذا بعد؟ هل كانت سنوات الدراسة بلا جدوى؟

وقد تبدأ بالظهور مؤشرات لحالة نفسية تُعرف بين المتخصصين بـ"اكتئاب ما بعد التخرج".. وهي حالة شائعة، تحدث بعد الانتهاء من المرحلة الجامعية، يشعر فيها الفرد بالحزن، وفقدان الحافز، والقلق من المستقبل، وأحيانًا فقدان الثقة بالنفس.

وحول هذه الحالة يقول بروفيسور واستشاري العلاج النفسي والأسري، الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المناحي: بالرغم من أن هذه الحالة لا تُصنف كتشخيص إكلينيكي مستقل في الدليل التشخيصي والإحصائي DSM-5 إلا أنها تقارب ما يُعرف في الطب النفسي بـ"الاضطراب التكيفي"، وهو اضطراب يظهر نتيجة الانتقال من بيئة مستقرة، كالحياة الجامعية، إلى وضع غير واضح أو مقلق، كالبحث عن وظيفة، أو الانتقال لحياة مهنية غير مستقرة.

وأضاف: أكد عدد من الدراسات النفسية، مثل دراسة Stewart (2019) بجامعة كوينزلاند، أن نحو 40% من الخريجين الجدد يعانون أعراضًا اكتئابية أو قلقية مؤقتة خلال أول ستة أشهر بعد التخرج.

وتابع: تشمل الأعراض شعورًا بالحزن أو الخيبة دون سبب واضح، وفقدان الرغبة في التقدم لوظائف، أو حتى الخروج من المنزل، ونظرة سوداوية للمستقبل، واضطرابات في النوم أو الشهية، إضافة إلى المقارنة المستمرة بالآخرين بطريقة سلبية.

وأكمل: تحدث هذه الحالة في الغالب بسبب الانفصال المفاجئ عن النظام الجامعي، وغياب الإطار الواضح للحياة اليومية؛ ما يولّد شعورًا بالخواء.

فبعد أن كانت حياة الطالب منظمة بالمحاضرات والاختبارات والتكليفات يجد نفسه فجأة أمام مساحة زمنية واسعة بلا تخطيط أو هدف ملموس.. كما أن وجود توقعات عالية بعد التخرج – سواء من النفس أو من العائلة – قد يزيد الضغط النفسي بشكل كبير، خاصة إذا لم تتحقق هذه التوقعات مباشرة. وهنا تبدأ بالتسلل إلى ذهنه أفكار من قبيل: "أنا لست كفؤًا" أو "الجميع ينجح إلا أنا".. وهي أفكار مضللة ومُبالَغ فيها، وقد تؤدي إلى إضعاف الدافعية، وتغذية الشعور بالفشل دون وجود مبرر حقيقي لذلك.

وأردف: يرتبط هذا الوضع أحيانًا بعدم تقبُّل الخريج فكرة البدء من الصفر؛ فيرفض العمل البسيط ظنًّا منه أن قبول وظيفة متواضعة سيقلل من قيمته أو من مكانته الاجتماعية. ويربط كثير من الخريجين بين الطموح والكرامة من جهة، و"الوظيفة المثالية" من جهة أخرى؛ وهذا ما يجعلهم يرفضون فرصًا قد تكون نقطة الانطلاق الحقيقية لهم.

واستدرك: لكن الحقيقة أن البدايات المتواضعة كثيرًا ما تكون هي التي تصنع التحولات الكبرى. فالعمل البسيط ليس عيبًا، بل هو التمرين الحقيقي على مهارات الحياة، كالالتزام والانضباط الذاتي، والتعامل مع الآخرين، واكتشاف الذات في ظروف جديدة. والعديد ممن نراهم اليوم في مواقع مرموقة ومؤثرة بدؤوا من أماكن لم تكن على مستوى طموحاتهم، ولكنهم استطاعوا أن يُنموا قدراتهم، ويكسبوا مهارات، ويبنوا الثقة بالنفس من خلال تلك البدايات.

وحول الحلول والعلاج للحالة قال المناحي: يؤكد العديد من المتخصصين في علم النفس أن شعور الخريج بالحيرة أو الإحباط بعد التخرج استجابة طبيعية لمرحلة انتقالية حساسة، لكن الخطأ لا يكمن في هذا الشعور بحد ذاته، وإنما في الاستسلام له، واعتباره حالة دائمة لا مفر منها. إنها حالة مؤقتة، ويمكن تجاوزها بالتفكير الواقعي والتحرك الفعال.

وأشار إلى أنه من المهم أن يفهم الخريج أن قيمته لا تتحدد بوظيفة واحدة أو بشهادة فقط، بل تتجلى في جهوده وتجاربه، وسعيه المستمر للنمو والتطور. ومن هنا تأتي النصيحة الجوهرية: ابدأ بأي خطوة ممكنة، حتى وإن بدت صغيرة أو بعيدة عن مجال تخصصك؛ لأن الخطوة الصغيرة قادرة على كسر الجمود النفسي، ومنها يبدأ التغيير الفعلي.

وأضاف: لا أحد يطلب منك أن تتنازل عن أحلامك، ولكن النجاح لا يأتي دفعة واحدة. كل مَن سبقك إلى القمة سيُخبرك بأن البداية الحقيقية هي أن تتحرك، أن تبدأ من حيث أنت، لا من حيث تحلم فقط. فحتى الخطوات الصغيرة التي لا يراها الناس يراها الله، ويجعل فيها البركة.

وتابع: لذلك ابدأ من الآن في كتابة سيرتك الذاتية، وتدرَّب على مهارات المقابلات، وشارك في مبادرات تطوعية، ولا ترفض وظيفة شريفة فقط لأنها لا تتوافق تمامًا مع تخصصك.

وتذكَّر دائمًا أن البداية ليست هي النهاية، لكنها هي التي تصنع النهاية.

وأردف: اعلم أن ما كُتب لك من رزق لن يخطئك، وأن الله لا يضيع تعبك ولا أحلامك، وما تأخر إلا لحكمة؛ فاطمئن، وثق بأن خطواتك الصغيرة تصنع فارقًا كبيرًا بإذن الله.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق