ما هي الصفة الواحدة التي تميز المديرين التنفيذيين العظماء عن غيرهم؟ الجواب ببساطة هو «الفضول».
إن هذه هي وجهة نظر «براد سميث»، نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس شركة «مايكروسوفت»، والذي يملك خبرة طويلة داخل الشركة تمتد منذ عام 1993، حيث عمل عن قرب مع جميع المديرين التنفيذيين الثلاثة الذين قادوا «مايكروسوفت» وهم: بيل غيتس وستيف بالمر وساتيا ناديلا.
في حديثه خلال فعالية «Microsoft@50» التي أقيمت في مدينة سياتل بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس شركة «مايكروسوفت»، قال سميث إن الفضول هو سمة مشتركة بين جميع القادة العظماء، ليس فقط في مجال التكنولوجيا، بل في مختلف المجالات. وأضاف أن استمرار شركة تقنية مثل «مايكروسوفت» لمدة خمسين عاماً دون أن تفقد أهميتها هو إنجاز نادر، وربما الأندر من ذلك هو أن تكون الشركة قد مرت بثلاثة رؤساء تنفيذيين فقط خلال كل هذه السنوات.
ثلاث شخصيات مختلفة تتقاطع بالفضول
رغم اختلاف شخصيات وأسلوب عمل كل من غيتس وبالمر وناديلا، إلا أنهم يشتركون جميعاً في فضولهم العميق والطريقة التي يوظف بها كلٌّ منهم هذا الفضول لفهم العالم من حوله واتخاذ قرارات مؤثرة.
1 - بيل غيتس: بناء الإطار العقلي عبر القراءة
يُعرف بيل غيتس بشغفه الكبير بالقراءة، فهو لا يقرأ فقط عن الموضوع الذي يثير اهتمامه، بل يغوص أيضاً في المواضيع المحيطة به. فمثلاً، إذا أراد فهم موضوع فيزيائي، فإنه لا يقرأ فقط في الفيزياء، بل يقرأ أيضاً في تاريخ العلم وفلسفته، ليكوّن بذلك إطاراً ذهنياً واسعاً يساعده على ربط المعلومات المختلفة ببعضها.
وقد قال غيتس ذات مرة: «إذا كان لديك إطار ذهني واسع، فستجد مكاناً تضع فيه كل معلومة جديدة. وإذا قرأت بما فيه الكفاية، سترى أنماطاً وتشابهات بين مواضيع مختلفة.»
وهذه الطريقة ساعدته على التعامل مع التحديات التقنية والاقتصادية والاجتماعية التي واجهت مايكروسوفت في بداياتها، وجعلته أحد أكثر العقول تأثيراً في عالم التكنولوجيا.
2 - ستيف بالمر: قراءة الأرقام كقصص
أما ستيف بالمر، فأسلوبه مختلف تماماً. بحسب سميث، فإن بالمر يستطيع قراءة جدول بيانات (Excel) كما يقرأ آخرون رواية مشوقة. كان يجد في الأرقام قصصاً، ويستخلص منها رؤى واستنتاجات دقيقة يستطيع من خلالها توجيه دفة الشركة.
بالمر لا يتعلم من القراءة فقط، بل يعتمد كثيراً على الحوارات المباشرة مع الناس، ويفهم السوق من خلال البيانات. وقد صرّح في مقابلة لاحقة خلال نفس الفعالية قائلاً: «الأرقام هي أقل شيء يمكن تسييسه، فهي خالية من الصفات والتهويل. الأرقام هي فقط ما هي عليه».
وحتى بعد مغادرته منصب الرئيس التنفيذي، لا يزال بالمر من أكبر المساهمين في مايكروسوفت، ويُجري مكالمات ربع سنوية مع المديرة المالية للشركة، حيث يطرح أسئلة نقدية مثل: «لماذا لا تنفقون أكثر على البحث والتطوير؟ هل تستثمرون بما فيه الكفاية؟».
3 - ساتيا ناديلا: فضول واسع بلا حدود
إن ساتيا ناديلا، وهو الرئيس التنفيذي الحالي، يتميز بفضول عميق لا يعرف الحدود، وفقاً لما ذكره سميث. فهو يهتم بكل شيء من الأدب إلى التاريخ والسياسة والاقتصاد. خلال رحلة عمل إلى فنلندا، وأثناء انتظاره في سيارة مع أحد ممثلي الحكومة، بدأ ناديلا بطرح أسئلة غير متوقعة:
* «من هو أعظم شاعر في تاريخ فنلندا؟»
* «من هو أعظم كاتب روائي؟»
* «كيف ينظر الفنلنديون إلى تاريخهم مع روسيا؟»
* «ما الذي يحدث في سوق العقارات التجارية في هلسنكي؟»
وبشكل مفاجئ، تمكن ممثل الحكومة من الإجابة على جميع هذه الأسئلة، مما يعكس قدرة ناديلا على إشعال الحوار والتعلم من أي موقف أو شخص.
شخصيات متباينة
إذا تأملت شخصيات القادة الثلاثة، فستجد أنهم مختلفون جداً:
* غيتس هو المفكر التحليلي، الذي يبني معرفته عبر القراءة العميقة.
* بالمر هو القائد العاطفي، الذي يستمد طاقته من التفاعل المباشر والأرقام.
* ناديلا هو المتأمل الهادئ، الذي يبحث عن الفهم العميق للناس والثقافات.
ورغم هذا التباين، فإن الصفة الجامعة بينهم هي الفضول اللامحدود، تلك الرغبة المستمرة في التعلم، الفهم، وطرح الأسئلة.
الفضول طريقك إلى القيادة
ما يمكن أن نستخلصه من تجربة هؤلاء القادة هو أن الفضول ليس رفاهية فكرية، بل هو أداة جوهرية لصنع القرار وبناء الرؤية. إن القادة العظماء لا يتوقفون عند المعلومة الأولى، بل يتعمقون، يطرحون الأسئلة الصحيحة، ويربطون بين ما يبدو غير مترابط.
إذا كنت تطمح لأن تكون قائداً في مجالك، سواء كنت في مجال التكنولوجيا أو التعليم أو ريادة الأعمال، فقد يكون تنمية فضولك الفكري هو أول خطوة في رحلتك. اقرأ أكثر، اسأل أكثر، وابحث دائماً عن القصص خلف الأرقام، والمغزى خلف الظواهر.
في النهاية، العالم لا يقوده فقط من يملك الإجابات، بل من يطرح الأسئلة الصحيحة.
0 تعليق