عاجل

لعبة تفاوض متعددة الأطراف - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

خورخي جريصاتي *

أعلن الرئيس دونالد ترامب مؤخراً عن مجموعة شاملة من التعريفات الجمركية التي تؤثر على جميع شركاء الولايات المتحدة التجاريين تقريباً. ومنها على السلع الواردة من الاتحاد الأوروبي، وأخرى على واردات الصين.
تُعتبر مبادرة ترامب، التي وصفها ب«يوم التحرير» الأمريكي، بمثابة إعادة رسم معالم التجارة العالمية بشكل جذري. وبينما لا تزال عواقبها الاقتصادية غير مؤكدة، تبرز سمة واحدة من سمات هذه السياسة: أنها مبنية على عدة مبادئ لنظرية الألعاب. فهي تستغل اختلالات القوة، وتفرض قيوداً زمنية صارمة، وتُشتت التنسيق بين الشركاء التجاريين. وبذلك، تُعيد صياغة التجارة العالمية كلعبة تفاوض متعددة الأطراف، بدلاً من نظام قائم على القواعد.
تستغل سياسة التعريفات الجمركية اختلالات القوة من خلال الاستفادة من ميزة اعتماد جميع الدول تقريباً بشكل غير متناسب على الوصول إلى السوق الأمريكية. وبما أن الدول تُصدر بكثافة إلى الولايات المتحدة، فإن خسائرها من أي اضطراب في التجارة أكبر مما قد تتكبده الولايات المتحدة. وتستغل التعريفات الجمركية هذا الاختلال بفرض تكاليف محتملة كبيرة على من يتردد أو يقاوم.
علاوة على ذلك، بفرض التعريفات الجمركية بشكل أحادي ودون تفاوض مسبق، تُقدم الولايات المتحدة نفسها «المبادر الأول»، ما يُجبر الدول الأخرى على اتخاذ دور رد الفعل. وهذا التسلسل يمنح واشنطن نفوذاً استراتيجياً إضافياً. إذ يُحدد معايير المشاركة ويُجبر الآخرين على الاستجابة وفقاً لشروطها.
ومن السمات التصميمية الأساسية لهذه الحزمة التعريفية «التزامن». فجميع الدول مُستهدفة في الوقت نفسه، ما لا يترك أي فرصة للاستجابات المتسلسلة. وهذا يمنع الحكومات من الانتظار لمراقبة استراتيجيات الآخرين أو تنسيق العمل المشترك. ونتيجة لذلك، تُجبر الدول على اتخاذ قرارات سريعة ومستقلة دون تزامن وتنسيق فيما بينهم، بسبب انعدام الثقة أو عدم اليقين أو ضيق الوقت.
ومع عدم القدرة على مراقبة سلوك الآخرين لانعدام التنسيق، من المرجح أن تختار الحكومات الأخرى استراتيجيات ثانوية لتجنب المخاطر وأسوأ سيناريوهات العزلة، مثل الامتثال المُبكر. تُعرف هذه الاستراتيجيات في نظرية الألعاب بالخيارات التي تُهيمن عليها المخاطر. وبينما قد تحاول بعض الدول استنتاج نوايا الآخرين من خلال الإشارات أو التصريحات الدبلوماسية، فإن قصر المهلة يُقلل من قدرتها على التكيف. وهكذا، تُشبه هذه السياسة لعبة إشارات تحت ضغط الوقت، حيث يُمكن استخدام الغموض استراتيجياً لمنع بناء التحالفات.
يُمثل ضيق الوقت عنصراً حاسماً آخر. فقد منحت الولايات المتحدة الدول مهلة حتى 5 إبريل/نيسان و9 من الشهر نفسه للاستعداد للحواجز التجارية. وهذا يفرض «تأثير الموعد النهائي»، وهو مفهومٌ راسخٌ في نظريات التفاوض والألعاب الديناميكية. فالمواعيد النهائية تزيد من تكلفة التأخير وتُقلص الوقت المتاح للتنسيق، ما يصب في مصلحة المبادرين الأوائل.
ويحوّل هذا الأفق الزمني المحدود التفاعل إلى لعبة متكررة محدودة. وفي مثل هذه الألعاب، يميل التعاون طويل الأمد إلى الانهيار مع اقتراب نقطة النهاية. قد ينسحب اللاعبون، أو يردون بالمثل قبل نفاد الوقت. لقد أدى الكشف عن التعريفات الجمركية الشاملة إلى تغيير جذري في طبيعة دبلوماسية التجارة العالمية. فبدلاً من حل النزاعات عبر المعايير الراسخة والمؤسسات متعددة الأطراف، تُعيد الولايات المتحدة صياغة التجارة كأداة ضغط ديناميكية ومفاوضات فردية.
بالنسبة للمديرين التنفيذيين وصناع القرار، يتطلب هذا النموذج الجديد قدرات تتجاوز إدارة المخاطر التقليدية، وتحليلات الاتجاهات، والتفكير الاقتصادي السائد. ويعتمد النجاح على فك رموز الإشارات الجيوسياسية والتكيف معها بسرعة.
* رئيس مجموعة الإدماج الاقتصادي في واشنطن«ذا ناشونال إنترست»

أخبار ذات صلة

0 تعليق