يشير ارتفاع العائدات، على خلفية تخفيض التصنيف الائتماني الأخير للولايات المتحدة، إلى ما هو بانتظارنا في حال لم تكبح واشنطن جماح إقبالها على الإنفاق غير المُستدام والضرائب المُنخفضة.
وتواجه الولايات المتحدة مشكلةً مُلحة تتمثل في ديونها. وهذه حقيقة لا يُجادل فيها أي شخص أو جهة موثوقة تقريباً، بما في ذلك وزارة الخزانة وبنك الاحتياطي الفيدرالي. فحجم دين الحكومة الأمريكية هائل، بما يتجاوز 120% من الناتج المحلي الإجمالي، ويقارب ضعف ما تعتبره كثير من المؤسسات مستويات ديون مستدامة.
وتُظهر التحليلات أن دين الخزانة هو نتيجة لانخفاض عائدات الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي. وهذا يتعارض مع آلية عمل الأسواق الفعلية. فكّر فيمن يستطيع الاقتراض. الإجابة ببساطة، أولئك الذين أثبتوا قدرتهم على سداد الأموال المُقترضة.
لقد بلغ عجزنا مستوىً يعادل زمن الحرب، أي نحو ضعف المتوسط التاريخي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تجاوزت فوائد الدين الآن الإنفاق على الدفاع، وهو مؤشرٌ غير صحي للبلد ولاستقراره المالي. والسبب الرئيسي لهذه المشكلة هو الكونغرس وسنوات إنفاقه المفرط والمتهور، وعلى عاتقه يقع حل المشكلة التي ساهم في خلقها.
يعمل الكونغرس حالياً على مشروع قانون ضخم وجيد لمعالجة الضرائب والإنفاق، لكن ما رأيناه حتى الآن لا يعالج القضايا الحرجة المطروحة. بصراحة، يحتاج مشروع القانون الجديد إلى «جرعة زائدة»، وهو اللقب الذي أطلقه الرئيس دونالد ترامب على أدوية إنقاص الوزن مثل «أوزيمبيك». وبدون ذلك، سندفع بلادنا نحو الهاوية المالية.
إن مشكلة مواردنا المالية ليست تحصيل الضرائب، بل «الإنفاق». فقد بلغت إيرادات الحكومة الفيدرالية ما يقرب من 5 تريليونات دولار في السنة المالية الماضية، وهذا يفوق الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول العالم، باستثناء الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، لم تكن تلك الأموال كافية للحكومة، التي أنفقت هذا المبلغ، بالإضافة إلى تريليوني دولار أخرى، أي ما يعادل نحو 6% إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبعد عقود من عدم المسؤولية، نقترب بشكل خطِر من الهاوية المالية. وأنا أشعر بالقلق إزاء احتمالات دوامة الديون. هنا، تدفع فوائد ديوننا العجز إلى الارتفاع، وهو ما حدث بالفعل. ومع حاجة الحكومة إلى تمويل هذا العجز، يزداد عرض سندات الخزانة. وهذا بدوره يرفع عوائدها، ويزيد من تكاليف الفائدة، وتضخم العجز الذي له نفس التأثير.
وبغض النظر عن تكاليف خدمة الدين، التي ستبلغ 1.2 تريليون دولار بنهاية عام 2024، ومستحقات تجاوزت بالفعل الإيرادات الضريبية المُحصَّلة، يستمر الدوران في هذه الحلقة المفرغة قبل الشروع في أي إنفاق آخر.
وبينما يعلم الجميع أن وضع ديون الولايات المتحدة يُمثل مشكلة، لا يبدو أن هناك إرادة سياسية لحلها. ففي منشور حديث على موقع «إكس»، نشر ستيفن مور، مستشار ترامب للشؤون الاقتصادية ما يلي: «ستحتاج إلى مجهر لرؤية تخفيضات الإنفاق التي أجراها الحزب الجمهوري! ويتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس إنفاقاً فيدرالياً مذهلاً قدره 89.3 تريليون دولار على مدى العقد المقبل. تقترح خطة مجلس النواب تخفيضاً بـ 1.2 تريليون دولار فقط ليصل الإجمالي إلى 88.1 تريليون دولار، أي تخفيض ضئيل بنسبة 1.5%».
وأكمل مور قائلاً: «في الوقت نفسه، يقترح مجلس الشيوخ تخفيضاً يكاد يكون سخيفاً وقدره 4 مليارات دولار مقابل زيادات بـ 521 مليار دولار. وبحلول عام 2035، ستصل بنا السياسة التي يتبعها الحزب الجمهوري إلى إنفاق 10 تريليونات دولار، بما يفوق 7 تريليونات دولار مسجلة العام الماضي، أي بزيادة 40% فقط بدلاً من 50%».
هذا بالطبع لا يبشر بالخير لمستقبلنا المالي. ولدى إدارة ترامب عدة مسارات متاحة لمنحنا بعض الوقت، وإصلاح أساسنا المالي، وترسيخ مستقبلنا. ومع ذلك، لن يكون أيٌّ من هذه الخيارات منطقياً إذا لم يكن بالإمكان كبح جماح الكونغرس على المدى الطويل.
ولننظر إلى جهود برنامج وزارة الكفاءة الحكومية، نعلم أنه قد كُشف بالفعل عن قدر كبير من الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام. ورغم أن هذا أمرٌ رائع من الناحية النظرية، إلا أننا بحاجة إلى أن نراه مجسداً عملياً عبر تخفيضات ملموسة وطويلة الأجل في الإنفاق.
نحن بحاجة إلى مشروع قانون صغير وفعّال، أو الأفضل من ذلك، مجموعة من مشاريع القوانين الصغيرة والمُركزة، مع خطة حقيقية لخفض الإنفاق وضمان عدم تمكن الكونغرس من الاستمرار في زيادة ديوننا وعجزنا ونفقات الفائدة. وإذا لم نُعطِ مشروع القانون وإنفاقنا «جرعة زائدة»، فستموت بلادنا من تضخمها المالي.
* رائدة أعمال، ومصرفية سابقة متخصصة في الاستثمار «فوكس نيوز»
إشارات السوق والدين الوطني - الكويت الاخباري

إشارات السوق والدين الوطني - الكويت الاخباري
0 تعليق