كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد ونقل مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة، منها مشهد يرصد تصاعد المجازر في القطاع، ومشهد آخر تحت عنوان: "فوضى الجوع"، ومشهد ثالث يُوثق مخاطر نقص الأكسجين في المستشفيات، وكيف يُعرّض ذلك حياة المرضى للخطر.
تصاعد المجازر
شهدت المجازر الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة تصاعداً كبيراً في الأيام القليلة الماضية، بعد تكثيف الاحتلال غاراته، واستهداف مراكز إيواء، ومربعات سكنية، ومنازل مُكتظة بالنازحين، وكذلك خيام في قلب المخيمات، ما أدى إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى، وغالبية الجرحى تعرضوا لبتر في أطرافهم، وآخرون يواجهون مخاطر على حياتهم.
ووقعت المجازر خلال الأيام الماضية في جميع مناطق قطاع غزة، خاصة محافظات خان يونس، ووسط القطاع، وشماله، وما زالت العشرات من جثامين الشهداء عالقة تحت الأنقاض، لم تتمكن فرق الإنقاذ من انتشالها حتى الآن، ما يُهدّد بمكاره صحية.
وأشار أطباء إلى أن المجازر التي ارتكبت مؤخراً باتت بشعة جداً، وأن الاحتلال يستخدم خلالها أسلحة فتاكة، وقنابل ذات قوة تدميرية هائلة، لدرجة أن الجثامين باتت تصل مُقطعة ومُتفحمة، ويصعب حتى التعرف على أصحابها.
بينما ذكر مواطنون أن المجازر في الفترة الماضية باتت تتسم بأنها كبيرة، وأن عدد ضحاياها تضاعف مقارنة بالفترات الماضية، فالاحتلال يتعمّد استهداف المباني المُكتظة، ومخيمات النازحين المزدحمة، وكذلك مراكز إيواء مليئة بالنازحين، وحتى الأسواق، والمحصلة ضحايا بالجملة.
من جهتها، أكدت مؤسسات أممية وحقوقية في قطاع غزة وخارجه، أن مستوى الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة تصاعد بشكل مُخيف، وأن عمليات قتل المدنيين بواسطة الطائرات تشهد مستوى غير مسبوق، والأمور تتجه نحو مأساة، فالجوع والصواريخ سلاحان فتاكان يقتلان الناس في غزة بلا رحمة أو شفقة.
بدوره، قال المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، إن إسرائيل تُصعّد من وتيرة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، عبر واحدة من أوسع الهجمات وأكثرها فتكاً منذ بداية العدوان في السابع من تشرين الأول 2023، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال ارتكب مجازر جماعية وعمليات تدمير ممنهج لما تبقى من منازل ومرافق مدنية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، بهدف إفناء المجتمع الفلسطيني ومنع عودته.
ووفق وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن الاحتلال، وبالتزامن مع تصعيده للمجازر، يُكثف من حملته الممنهجة لاستهداف المستشفيات في القطاع وإخراجها عن الخدمة، وكان آخرها مستشفى العودة شمال القطاع، الذي طالب بإخلائه تماماً، وبدأ بتدميره.
من جانب آخر، أعلنت وكالة الغوث "الأونروا"، أنه جرى تدمير أو تضرر 92% من منازل غزة، في وقت تواجه فيه العائلات "دماراً لا يصدق" جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
فوضى الجوع
تزايدت مظاهر الفوضى على نحو مُقلق في قطاع غزة، مع انتشار الجوع، وتزايد الفقر، وشح المواد الغذائية في القطاع.
وما زالت معظم مظاهر الفوضى تنتشر في محيط وداخل مراكز توزيع المُساعدات الأميركية في مدينة رفح، جنوب القطاع، وعلى محور "نتساريم"، وسط القطاع، حيث يتوجه عشرات الآلاف من المواطنين إلى تلك المراكز، ويقومون بالاستيلاء على المواد الغذائية، ويدمّرون مرافق وممتلكات الشركة الأميركية، التي يحرسها ويدعمها جيش الاحتلال.
وأوضحت مصادر محلية وشهود عيان أن حشوداً من الجوعى تدفقت باتجاه مركزين في رفح ووسط القطاع، وبدأ الجائعون بتفكيك السياج الشائك، واقتلعوا أعمدة تُحيط بالمواقع، ودخلوا إلى مجمعات تابعة للشركة الأميركية، واستولوا على كل شيء فيها، حتى أعمدة إنارة خشبية اقتلعوها من الأرض وعادوا بها إلى مدينة غزة، لاستخدامها في إشعال النار للطهي، وقد بات الموقع المذكور خالياً من جميع التجهيزات والمُعدات.
وواصلت قوات الاحتلال استهداف الجائعين، وإطلاق النار عليهم، ما تسبب بسقوط المزيد من الشهداء والجرحى في صفوف المواطنين الجائعين.
وإضافة إلى مهاجمة مراكز التوزيع، واصل لصوص ومواطنون مهاجمة مخازن، وشاحنات تنقل مساعدات غذائية، خاصة في شمال قطاع غزة ووسطه، إذ سُجّل العديد من الحوادث المماثلة في الساعات الأخيرة.
كما هاجمت عصابات مُنظمة من اللصوص سوقاً شعبية وسط مدينة غزة، وسرقوا مواد تموينية، وخضراوات كان يعرضها تجار للبيع، واعتدوا على باعة ومواطنين بالضرب، وعندما حاول عناصر أمن من شرطة غزة التدخل، جرى استهدافهم بواسطة طائرات الاحتلال.
وقالت وزارة الداخلية في غزة، إن تحقيقاتها في عدد من الحوادث التي وقعت مؤخراً، كشفت عن أن مُحرّك الفوضى هم لصوص يقودهم عملاء، ويتم تحريكهم بغطاء جوي من طائرات الاحتلال، لاستهداف عناصر الأمن والشرطة عند التصدي لهم.
ولفتت "داخلية غزة"، إلى أن تكامل الأدوار بين اللصوص والعملاء مع الاحتلال، هدفه إحداث الفوضى، وبث الخوف في نفوس المواطنين.
ووفق مواطنين فإن الوضع في قطاع غزة يتردى يوماً بعد يوم، وأن مظاهر الفوضى تنتشر، إذ قال المواطن عبد الرحمن شاهين، إن الأمر تعدى الهجوم على مراكز المساعدات، إلى حد اقتتال اللصوص بينهم، وتبادل إطلاق النار وسط خيام النازحين، كما حدث في محيط منطقة "فش فريش"، جنوب مواصي خان يونس، جنوب القطاع.
وأكد شاهين أن الوضع مرعب، ووصل إلى حد الهجوم على مواطنين حصلوا على مساعدات من مناطق رفح، وسرقتها منهم، بل والاعتداء عليهم، وهناك حوادث سرقة وبلطجة تُسجّل يومياً، وهذا الأمر يُهدد أمن وسلامة جميع المواطنين بلا استثناء.
وشدد على ضرورة أن يتم وضع حد لهذا الأمر، وتوفير الأمن للمواطنين، خاصة في ظل منع الاحتلال عناصر الأمن من القيام بواجبهم، واستهداف كل مَن يحاول مواجهة الفوضى.
نقص الأكسجين
بات النقص الحاد في كميات الأكسجين التي تُنتجها المستشفيات القليلة المتبقية في قطاع غزة، واحداً من أكبر الأخطار التي تواجه المرضى والجرحى، وتُهدد حياة الآلاف منهم.
وذكرت وزارة الصحة في قطاع غزة، أن هناك ازدياداً في الحاجة لإنتاج كميات مضاعفة من الأكسجين في الأقسام داخل المستشفيات، وأهمها العناية المركّزة، والعمليات، وأقسام حضانات الأطفال، والطوارئ، موضحة أن الاحتلال دمّر 25 محطة أكسجين من أصل 34 محطة بشكل كامل خلال اجتياح المستشفيات، وأن 9 محطات فقط تعمل بشكل جزئي، ولا تلبي احتياجات المرضى.
وحذرت وزارة الصحة في غزة مما وصفته بلحظات كارثية تُهدد تقديم الرعاية الطبية في حال توقف أو تعطّل ما تبقى من محطات أكسجين، مُناشدة كافة الجهات المعنية العمل، وبشكل عاجل، على إدخال محطات الأكسجين للقطاع.
وسبق أن حذر الوكيل المساعد في وزارة الصحة بسام الحمادين، من أن مستشفيات غزة تواجه ظروفاً إنسانية صعبة للغاية في ظل التدمير الممنهج للمنظومة الصحية، خاصة محطات توليد الأكسجين التي تُعد الرئة التي تتنفس منها المستشفيات.
وقال الحمادين، "نحذر من التداعيات الخطيرة للنقص في كميات الأكسجين، لما له من أهمية قصوى في إنقاذ أرواح المرضى والمصابين".
وأشار إلى أن الظروف أصبحت أكثر صعوبة مع عودة النازحين من جنوب قطاع غزة إلى شماله، ما فاقم الضغط على المستشفيات والمرافق الصحية في القطاع، مبيناً أن تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي يشكّل عائقاً كبيراً أمام إعادة تشغيل المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، وشدد على الحاجة العاجلة إلى 30 مولداً كهربائياً بأحجام مختلفة، مبيناً أن المولدات التي لا تزال تعمل تحتاج إلى صيانة وتوفير قطع غيار، نظراً لساعات التشغيل الطويلة والمتواصلة.
0 تعليق