مع حلول موسم الحج، يتوافد المسلمون من مختلف بقاع الأرض إلى مكة المكرّمة لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، في مشهدٍ إيمانيٍ مهيب تتوحّد فيه القلوب والألسنة رغم تنوّع الأنساك.

وبينما يختلف الحجاج في نسكهم بين التمتع، والقران، والإفراد، فإن مقصدهم واحد، وغايتهم نيل رضا الله وأداء الشعيرة كما شرعها النبي ﷺ.

وفي هذا السياق، قال الله تعالى ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾. [سورة الحج: 27]

كما أوصى النبي ﷺ بقوله: "خذوا عني مناسككم" [رواه مسلم]، مؤكدًا أهمية الاقتداء بهديه في أداء هذه الفريضة العظيمة.

يُخيّر الحاج بين ثلاثة أنساك رئيسة أقرّها الشرع الحنيف، لكلٍ منها تفاصيله وأحكامه، غير أن الفضل والثواب فيها جميعًا واحد، بإذن الله، ما دامت النية خالصة والعمل موافقًا للسنة.

يُعد حج التمتع النسك الأكثر رواجًا بين حجاج الخارج، لما فيه من التيسير. ويبدأ الحاج بالإحرام للعمرة خلال أشهر الحج، فيطوف ويسعى ويتحلل، ثم يُحرم للحج يوم الثامن من ذي الحجة من مكانه، ويكمل المناسك. ومن واجبات هذا النسك الهدي، وهو ذبيحة شكر لله على التيسير.

في هذا النسك، يُحرم الحاج بالعمرة والحج معًا من الميقات، أو يُدخل الحج على العمرة قبل الطواف، فيُتم مناسكهما دون تحلل بينهما. ويظل في إحرامه حتى نهاية الحج، ما يتطلب صبرًا واحتسابًا، ويُلزم الهدي فيه كما في التمتع. ويُرجّح أن هذا النسك كان نسك النبي ﷺ.

وفي هذا النسك، يُحرم الحاج بالحج فقط دون عمرة، ويؤدي كامل المناسك دون تحلل، ولا يجب عليه هدي، إلا إن تبرّع به. ويكون مناسبًا لأهل مكة أو من اعتمر قبل أشهر الحج.

ورغم تنوّع هذه الأنساك، إلا أن جميع الحجاج يتوجهون إلى الله بالتوحيد والطاعة، مجردين من مظاهر الدنيا، في لباسٍ موحدٍ ولسانٍ واحدٍ يهتف: "لبيك اللهم لبيك"، في أعظم مظهر من مظاهر وحدة الأمة الإسلامية.

وتضطلع الجهات الرسمية والدعوية في المملكة بدورٍ محوري في توعية الحجاج بمناسكهم، وتوفير كل سبل الراحة والخدمات لضمان أداء شعيرتهم في أجواء روحانية آمنة. ويعكس هذا الجهد مكانة المملكة ودورها الريادي في خدمة ضيوف الرحمن، تحقيقًا لرؤية شاملة تعزّز من مكانة الحج كركن من أركان الإسلام.