لسوق الأسهم الأمريكية تاريخ طويل في تحقيق عوائد سنوية ثنائية الرقم. منذ عام 1957، حقق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي عائداً سنوياً متوسطاً تجاوز 10%، وهو رقمٌ حقق مكاسب كبيرة للمستثمرين على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن هذا الرقم لا يروي سوى جزء من القصة.
وراء هذه المكاسب المتوسطة، يكمن تاريخٌ من أسواق الصعود والهبوط، والانهيارات المدمرة والانتعاشات الملحوظة، والتحولات الكبرى في أنواع الشركات المدرجة في المؤشر. من طفرة ما بعد الحرب في خمسينيات القرن الماضي إلى سوق اليوم الذي تقوده التكنولوجيا، صمد المؤشر في وجه فترات الركود، وارتفاعات التضخم، وفقاعات السوق، والأزمات العالمية. في حين أن استثماراً بقيمة 100 دولار في عام 1957 كان سينمو إلى أكثر من 100000 دولار بحلول عام 2025، إلا أن الطريق لم يكن ممهداً.
ما هو مؤشر ستاندرد آند بورز 500؟
مؤشر ستاندرد آند بورز 500 هو مؤشر مرجح بالقيمة السوقية لأهم 500 شركة مدرجة في البورصة في الولايات المتحدة. يشرف على المؤشر قسم مؤشرات ستاندرد آند بورز داو جونز، وهو قسم من ستاندرد آند بورز جلوبال (SPGI). وبينما اتخذ حجمه الحالي (واسمه) في عام 1957، يعود تاريخ مؤشر ستاندرد آند بورز إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما كان مؤشراً مركباً يتتبع 90 سهماً. وبلغ متوسط العائد السنوي من عام 1928 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2024 نسبة 10.06%. بعد تعديل التضخم، يبلغ متوسط العائد السنوي الحقيقي لنفس الفترة 6.78%.
تاريخ مؤشر ستاندرد آند بورز 500
يروي تاريخ مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قصة التقلبات الاقتصادية الأمريكية:
طفرة ما بعد الحرب (1957-1969): بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت أمريكا توسعاً اقتصادياً غير مسبوق. خلال فترة الازدهار هذه، ارتفع المؤشر بثبات، ليصل إلى حوالي 800 نقطة، مما يعكس القوة الصناعية المتنامية للبلاد وصعود الطبقة المتوسطة. وأعقب كل انخفاض كبير في تاريخ مؤشر ستاندرد آند بورز 500 انتعاشاً في نهاية المطاف، على الرغم من اختلاف الأطر الزمنية بشكل كبير.
الركود التضخمي (1970-1981): واجه المؤشر تقلبات قوية خلال هذه الفترة، حيث انخفض إلى أقل من 360 نقطة. جاء هذا الانخفاض في الوقت الذي أثار فيه التضخم والركود الاقتصادي (الملقب بالركود التضخمي) قلق المستثمرين.
ازدهار الإنترنت ثم كساده (1990-2002): دفع صعود الإنترنت المؤشر إلى آفاق جديدة في أواخر التسعينيات، لكن انفجار فقاعة الدوت كوم أدى إلى انخفاض حاد في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
الأزمة المالية (2007-2009): خلال ما عُرف بالركود الكبير، شهد المؤشر أسوأ انخفاض له، حيث انخفض بنسبة تقارب 57% من أكتوبر/تشرين الأول 2007 إلى مارس/آذار 2009.
الانتعاش الطويل (2009-2020): بعد عام 2009، دخل السوق أطول فترة صعود له في التاريخ، حيث ارتفع بنسبة 330% على مدى 10 سنوات.
فترة الجائحة وما بعدها (2020): أوقفت جائحة «كوفيد-19» هذا الارتفاع لفترة وجيزة في عام 2020 بانخفاض حاد بنسبة 15%، لكن السوق تعافى بسرعة. بحلول عام 2021، بلغ المؤشر عدة مستويات قياسية مرتفعة قبل أن يشهد تقلبات كبيرة في عام 2022. ثم أظهر السوق مرونةً مجدداً في عام 2023، محققاً انتعاشاً جديداً، ليرتفع ويصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في عام 2024.
ويُقال غالباً، إن الاستثمار في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 يعني الاستثمار في مؤشر سوقي واسع النطاق والاستفادة من تنويع الاستثمارات. ورغم صحة هذا القول، إلا أن عوائد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أصبحت تعتمد بشكل متزايد على عدد قليل نسبياً من الشركات. هذا يعني أنه إذا واجهت بعض الشركات الكبرى عاماً صعباً أو أكثر، فسيؤثر ذلك بشكل كبير على عوائد المستثمرين.
في عام 2024، استحوذت شركة إنفيديا وحدها على ما يقرب من ربع مكاسب مؤشر ستاندرد آند بورز 500. ولم يكن ذلك بسبب ارتفاع عدد قليل من الشركات، بل ارتفع المؤشر بأكثر من 20% في العام نفسه.
تركيز القيمة السوقية
يبدو مؤشر ستاندرد آند بورز 500 اليوم مختلفاً تماماً عن بداياته. ففي عام 1957، هيمنت شركات الصناعة والطاقة على المؤشر. بحلول تسعينيات القرن الماضي، كانت الشركات المالية والاستهلاكية الأبرز. أما الآن، فتقود شركات التكنولوجيا الكبرى هذا التوجه.
0 تعليق