د. رامي كمال النسور*
نفذت شركة BYD، الشركة الرائدة في الصين في تصنيع السيارات الكهربائية، مؤخرًا تخفيضات كبيرة في أسعار جميع طرزها، حيث وصلت الخصومات إلى 34% على طرز مختارة. وتستند هذه الاستراتيجية التسعيرية الجريئة إلى مزيج من ديناميكيات السوق والضغوط التنافسية والأهداف الاستراتيجية. وفي هذا المقال نسعى لمعرفة ما هي الدوافع والأسباب التي دفعت الشركة لهذا القرار في ظل هذه الظروف التنافسية العالية.
أولها هو اشتداد المنافسة المحلية حيث يشهد سوق السيارات الكهربائية الصيني حرب أسعار شرسة، بدأت بتخفيضات أسعار تيسلا في عام 2023. وردًا على ذلك، خفضت BYD أسعار أكثر من 20 طرازًا، بما في ذلك طرازا Seagull هاتشباك وSeal الهجين، للحفاظ على هيمنتها على السوق وجذب المستهلكين المهتمين بالتكلفة. وقد دفعت هذه الخطوة منافسين مثل جيلي وشيري إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، ما زاد من تصعيد معركة الأسعار.
ثاني هذه الدوافع هو العمل على معالجة تحديات الطاقة الإنتاجية الفائضة والمخزون حيث تواجه صناعة السيارات في الصين مشكلة الطاقة الإنتاجية الفائضة، حيث يعمل في السوق أكثر من 169 مصنعًا. وتعمل العديد من هذه الشركات دون مستويات الطاقة الإنتاجية المثلى. تهدف تخفيضات أسعار BYD إلى تحفيز الطلب وخفض مستويات المخزون، لا سيما للطرز التي تراكمت لديها المخزونات.
بعد ذلك يأتي موضوع الاستفادة من التكامل الرأسي لكفاءة التكلفة إذ يتيح نموذج الإنتاج المتكامل رأسيًا لشركة BYD، الذي يشمل كل شيء من البطاريات إلى الرقائق، تحقيق وفورات الحجم والحفاظ على الربحية على الرغم من تخفيضات الأسعار. في الربع الأول من عام 2025، أعلنت BYD عن هوامش ربح إجمالية تقارب 20%، ما يُظهر قدرتها على التنافس مع منافسيها دون المساس بوضعها المالي.
ثم نصل إلى أحد أهم دوافعها وهو توسيع حصتها السوقية في المدن ذات الدخل المنخفض فمن خلال خفض الأسعار، تهدف BYD إلى جذب المستهلكين في المدن الصغيرة والمناطق الريفية الذين كانوا يجدون صعوبة في الحصول على السيارات الكهربائية. لا تقتصر هذه الاستراتيجية على توسيع قاعدة عملائها فحسب، بل تُسرّع أيضًا عملية الانتقال من سيارات محرك الاحتراق الداخلي إلى البدائل الكهربائية.
أيضاً أعربت الحكومة الصينية عن قلقها إزاء حروب الأسعار المستمرة، وحثّت شركات صناعة السيارات على تجنب ممارسات التسعير غير المستدامة التي قد تُزعزع استقرار الصناعة. وأخيراً تُعدّ تخفيضات أسعار BYD أيضًا بمثابة مناورة استراتيجية لتحدي عمالقة صناعة السيارات العالمية مثل تويوتا وفولكس فاجن، التي كانت أبطأ في تبني السيارات الكهربائية. من خلال توفير خيارات سيارات كهربائية بأسعار معقولة، تُرسّخ BYD مكانتها كمنافس قوي في السوقين المحلية والدولية.
وننتهي إلى أن قرار BYD بخفض أسعار السيارات يُمثّل استراتيجية متعددة الجوانب تهدف إلى الحفاظ على ريادتها في سوق السيارات الكهربائية في ظلّ المنافسة الشديدة، والطاقة الإنتاجية الفائضة، ومتطلبات المستهلكين المتنامية. وبينما قد يُشكّل هذا النهج ضغطاً على هوامش الربح على المدى القصير، فإنّ عمليات BYD ذات الكفاءة من حيث التكلفة وموقعها الاستراتيجي في السوق مُصمّمان لضمان المرونة والنمو على المدى الطويل وبرأينا أن ما قامت به الشركة نلخصه بكلمتين هما «ضربة معلم».
* مستشار في الأسواق المالية والاستدامة
0 تعليق