د. محمد الصياد *
يُنظر إلى صمود الأسهم الأمريكية، مؤخراً، على أنه أمر لافت بكل المقاييس، حيث تجاوزت «وول ستريت» الكثير من التحديات، لتمحو جميع خسائرها الناجمة عن الرسوم الجمركية، مُحققة أداءً إيجابياً حتى الآن لهذا العام. ورغم أن هذه التحديات لم تنتهِ بعد، إلا أن الارتفاع الحاصل لا يزال يحمل بعض الزخم.
ومنذ أن بلغا أدنى مستوياتهما في 7 إبريل/ نيسان، بعد كارثة تعريفات ترامب الجمركية في «يوم التحرير»، ارتفع مؤشرا «ستاندرد آند بورز» و«ناسداك» بنسبة 23% و32% على التوالي. وتصدرت شركات التكنولوجيا الكبرى المشهد، حيث حقق صندوق «راوند هيل ماغنيفيسنت سفن» المتداول في البورصة مكاسب تجاوزت 35%. للوهلة الأولى، يبدو هذا مثيراً للإعجاب، بالنظر إلى أن الكثير من المخاوف التي أشعلت شرارة الأزمة، كالرسوم الجمركية، التي أجّجت التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، وسياسة واشنطن الفوضوية وغير التقليدية، لا تزال قائمة حتى اليوم.
ويراهن المتفائلون في أسواق الأسهم بشكل أساسي على انفراج إضافي في المشهد الاقتصادي العام، خلال الأشهر المقبلة، ويتوقعون خفض الفيدرالي لأسعار الفائدة، ودوران عجلة الاقتصاد، وابتعاد شبح التضخم على الرغم من الرسوم الجمركية، بالإضافة إلى مواصلة شركات التكنولوجيا الأمريكية تحقيق نتائج قوية، ستهدّئ المخاوف المالية في واشنطن. وربما الأهم من ذلك، أن ترامب سيواصل التراجع عن تهديداته الجمركية الأكثر عدائية.
ومع ذلك، لا تزال بعض أكبر الأسماء في عالم المال متشككة، لا سيما فيما يتعلق بالتوقعات المالية الأمريكية. وكرّر راي داليو، مؤسس شركة «بريدج ووتر»، وجيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك «جيه بي مورغان»، وكلاهما من أشدّ مؤيدي عجز الموازنة، هذا الأسبوع، تحذيراتهما من أن الدين الأمريكي غير مستدام، لكن هذه الدعوات لم تلقَ آذاناً صاغية، أو ربما يعتقد مستثمرو الأسهم ببساطة أن أي تداعيات مالية، ستستغرق سنوات حتى تتحقق.
من ناحية أخرى، يبدو أن المستثمرين، وخاصةً الأفراد منهم، الذين يُعتقد أنهم يقودون هذا الارتفاع، متفائلون بشكل مفرط، ولكن بالنظر إلى الأمر من منظور آخر، قد لا يتجاهل مستثمرو الأسهم الأمريكية المخاطر الكامنة اليوم، بل ينظرون إليها ببساطة بشكل أقل تشاؤماً، مما كانوا عليه قبل بضعة أشهر.
في الواقع، مهّدت المشاعر السلبية الساحقة، في وقت سابق من هذا العام، الطريق للانتعاش الأخير. وأظهر استطلاع «بنك أوف أمريكا» لمديري الصناديق لشهر إبريل/ نيسان أن درجة التفاؤل والثقة بين المستثمرين المؤسسيين، وصلت إلى مستويات شديدة من التشاؤم في أعقاب «يوم التحرير»، كما تضخمت مخاوف الركود إلى مستويات تاريخية.
في غضون ذلك، أظهر مسح مايو/ أيار أن مديري الصناديق الاستثمارية، يمتلكون أكبر نسبة انخفاض في الوزن الاستثماري للأسهم الأمريكية منذ عامين، فعندما تكون معنويات المستثمرين ومراكزهم الاستثمارية بهذا القدر من التفاوت، لا يتطلب الأمر الكثير لتنعكس الأسعار إلى وضعها السابق.
وإذا ما استشهدنا بأحدث مسح لدرجة تفاؤل وثقة المستثمرين الأفراد من «الجمعية الأمريكية للمستثمرين الأفراد»، فإن الانتعاش السريع في الأسهم لا يزال أمامه مجال للاستمرار، فقد ارتفع التشاؤم بشأن التوقعات قصيرة الأجل للأسهم الأمريكية إلى مستوى «مرتفع بشكل غير معتاد»، بلغ 41.9% الأسبوع الماضي، متجاوزاً متوسطه التاريخي البالغ 31.0% للمرة السادسة والعشرين في 28 أسبوعاً.
وكما أشار فريق استراتيجية الأصول المتعددة في بنك «إتش إس بي سي» مؤخراً، فإن انخفاضات السوق الآن قصيرة الأجل، لأن هذه المؤشرات العاطفية المتعلقة بالتفاؤل وثقة المستهلك ومراكز الاستثمار تُدار بشكل دقيق، وضمن السيطرة.
ومن الجيد أيضاً، أن نتذكر أنه على الرغم من أن «وول ستريت» قد عوّضت خسائرها المبكرة، وارتفعت التقييمات مجدداً نحو أعلى مستوياتها الأخيرة، إلا أن الأسهم الأمريكية لا تزال متأخرة هذا العام. ولم يرتفع مؤشر ستاندرد آند بورز إلا بنسبة 1.5% في عام 2025 حتى الآن، في حين قفز مؤشر «مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال» العالمي لجميع الدول بنحو 6%، مسجلاً أعلى مستوى له على الإطلاق الأربعاء الفائت. ويشير هذا إلى احتمال وجود مجال لتفوق أداء الولايات المتحدة نسبياً في الأسابيع والأشهر المقبلة، مع أن مقاييس القيمة النسبية، قد لا تزال تفضل الأسواق غير الأمريكية.
كل ما سبق من تفاؤل، لا يعني أنه علينا توقع عودة تدفق رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة، فقد يعيد المستثمرون الدوليون النظر مجدداً في تخصيص استثماراتهم للأصول خارج بلاد العم سام، ما يُشكل خطراً طويل الأجل على الأسهم. ولكن في الوقت الحالي، يُعوض نظراؤهم الأمريكيون محلياً هذا النقص.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية
0 تعليق