نوف الكندي *
في دولة الإمارات العربية المتحدة، لا تولد الأفكار الريادية دائماً في قاعات الاجتماعات، أو من خلال دراسات الجدوى، بل كثيراً ما تبدأ في لحظة فضول صادقة. ربما خلال جلوس أحدهم في مقهى بدبي مارينا، أو أثناء تجوله في أحد شوارع أبوظبي الحديثة، يطرح على نفسه سؤالاً: لماذا لا يوجد تطبيق يقوم بهذا؟ أو كيف لم يخطر ببال أحد أن يبتكر حلاً لهذه المشكلة اليومية؟
ذلك السؤال العابر، الفضولي في ظاهره، قد يكون في الواق الشرارة الأولى لمشروع ريادي، يغير حياة صاحبه، وربما يترك أثراً في السوق.
الإمارات أرض الفرص لمن يطرح الأسئلة
عيش الإمارات اليوم في قلب المستقبل. الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والطاقة النظيفة، والاقتصاد الرقمي.. كلها لم تعد مفاهيم نظرية، بل صارت جزءاً من الواقع اليومي.
مع تسارع وتيرة التطور، لم يعد الفضول ترفاً فكرياً، بل أصبح من المحركات الأساسية للابتكار والنمو.
في مجتمعات كثيرة ينظر إلى الفضول على أنه مضيعة للوقت أو نوع من التشتت، أما في الإمارات، فالفضول يحتضن ويمنح مساحة ليكبر، ويترجم إلى أفكار ومشروعات واستثمارات، فالدولة تحتضن المبدعين، والمجتمع منفتح على التجربة، والبنية التحتية تستجيب بسرعة.
الفضول ليس عبثاً، بل مهارة ريادية
أن تكون فضولياً لا يعني أن تكثر من الأسئلة، بل أن تطرح السؤال الذكي في الوقت المناسب. الفضول الريادي هو القدرة على رؤية ما لا يراه الآخرون، والتفكير فيما هو مألوف بطريقة غير مألوفة.
على سبيل المثال: لاحظت إحدى الشركات الناشئة في الإمارات أن التمور، رغم قيمتها الرمزية والغذائية، لا تقدم غالباً بطريقة تناسب الذوق العالمي العصري. بدافع الفضول، سأل مؤسسو الشركة: لماذا لا نغلف التمر بشكل فني راقٍ؟ لماذا لا نروج له كهدية فاخرة؟ تحولت تلك الأسئلة إلى علامة تجارية تصدر منتجاتها إلى أوروبا وآسيا، وتقدم التمر كمنتج ثقافي يحمل هوية الإمارات.
الفضول الريادي: السر غير المعلن
عندما يروي رواد الأعمال تجاربهم، غالباً ما يتحدثون عن التمويل والتسويق وخطط العمل، لكن ما لا يقال كثيراً هو أن معظم هذه القصص بدأت بلحظة فضول: موقف أثار التساؤل، أو تفاصيل صغيرة لم يتقبلها المؤسس كما هي. الفضول ليس مجرد مرحلة أولى، بل هو المحرك المستمر، الذي يدفع صاحب المشروع للتطوير والتجريب والسعي نحو الأفضل. هو الذي يجعل الرائد يسأل دائماً: هل يمكن أن نحسن هذا؟ هل يمكن أن نبسّط تلك؟ هل يمكن أن نبتكر؟
خلاصة: لا تطفئ فضولك
إذا شعرت بالفضول تجاه شيء في حياتك اليومية فلا تتجاهله، دوّن ملاحظاتك، واسأل نفسك: هل أستطيع تحويل هذا الفضول إلى فكرة؟ هل يمكن أن يصبح مشروعاً؟
تذكر: لا توجد أفكار تافهة، بل هناك فقط أفكار لم تمنح الفرصة لتنضج. اغتنم بيئة الإمارات الملهمة، ودع فضولك يأخذك إلى طريق جديد.
في النهاية، ريادة الأعمال ليست دائماً خطة عمل محكمة، بل تبدأ كثيراً من لحظة فضول صادق، وشخص تجرأ أن يسأل سؤالاً لم يطرحه أحد من قبل.
لا تطفئوا فضولكم، فقد تبدؤون به قصتكم الريادية.
* كاتبة وعضو مجلس شباب الإمارات لريادة الأعمال
0 تعليق