كتب محمد الجمل:
تصاعد العدوان الإسرائيلي على عموم قطاع غزة خلال أيام عيد الأضحى المبارك، وشهد القطاع مجازر دامية، خاصة في محيط مراكز توزيع المساعدات الأميركية، وعلى الصعيد الآخر تصاعدت الفوضى والانفلات الأمني، وباتت مظاهر البلطجة من المشاهد اليومية المألوفة داخل القطاع.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان المُستمر على القطاع، منها مشهد بعنوان "عيد دامٍ"، ومشهد آخر يرصد تصاعد القتل في محيط مراكز توزيع المساعدات الأميركية في القطاع، ومشهد ثالث بعنوان "البلطجية".
عيد دامٍ
عاش سكان قطاع غزة أقسى وأصعب عيد منذ بدء العدوان، حيث تعمد الاحتلال تصعيد عدوانه على القطاع، وتكثيف الغارات والقصف المدفعي طوال أيام العيد.
ووفق مصادر محلية، فإن أيام العيد الأربعة شهدت أعنف وأوسع غارات جوية، استهدفت منازل ومباني، وخياماً، ومركبات، ومارة، ما تسبب بسقوط مئات الشهداء والجرحى.
كما شهدت أيام العيد أوامر نزوح جديدة، خاصة في محافظات خان يونس، وغزة وشمال القطاع، وانهمك مواطنون في الانتقال لمناطق جديدة، والبحث عن مكان شاغر يقيمون فيه خيامهم، خاصة في مناطق غرب مدينة غزة، ومواصي خان يونس.
يقول المواطن ياسر حمزة: إنهم استفاقوا في صبيحة أول أيام العيد على نبأ استشهاد ابن شقيقه، وبدلاً من الفرحة التي اعتادوا أن يعيشوها، عاشوا الحزن والقهر.
وأكد أن قطاع غزة شهد مئات الجنازات في أيام العيد الأربعة، وانشغلت عائلات في دفن أحبتها، ومواساة بعضهم البعض، بدلاً من ذبح الأضاحي، وتبادل التهاني، وتوزيع العيديات.
وأوضح أنه لم يسبق أن عاش عيداً حزيناً كما العيد الحالي، وكأن الاحتلال تعمد زرع الحزن في كل بيت، فالبيت الذي لم يسقط فيه شهيد، عانى أصحابه الجوع أو النزوح، والوضع يزداد صعوبة يوماً بعد يوم.
في حين يقول المواطن عبد الرحمن النجار: إنه عاش أسوأ عيد في حياته، فبعد نزوحه من شرق خان يونس باتجاه وسطها، فقد استيقظوا فجر أول أيام العيد على قصف مدفعي وجوي عنيف وغير مسبوق، واضطر وعائلته للنزوح والفرار باتجاه غرب خان يونس، دون أن يأخذوا معهم شيئاً، فحتى ملابسهم تركوها في المنزل.
وأكد النجار أنه في اليوم الثاني من العيد، جرى قصف خيمة مجاورة لخيمته، وسقط شهداء وجرحى، وأصيب نجله بجروح، وقضى العيد في المستشفى برفقة ابنه.
وأكد أنه كان من المفترض أن يقضي العيد متنقلاً بين بيوت الأقارب والأرحام، لتوزيع اللحمة، وتبادل التهاني بالعيد، لكنه للأسف قضاه متنقلاً ما بين المشافي وبيوت العزاء، ليواسي عائلات الضحايا، ويؤازرهم في مصابهم الجلل.
"مصائد الموت" تتوسع
توسعت "مصائد الموت" قرب مراكز توزيع المساعدات جنوب ووسط القطاع، وباتت يومياً تحصد أرواح العديد من المواطنين، حيث تزايدت حصيلتها بشكل متصاعد، ووفق آخر الإحصاءات الرسمية، يسقط يومياً قرب المراكز المذكورة ما بين 8-12 شهيداً، إضافة لعشرات الجرحى، غالبيتهم يتساقطون خلال محاولتهم الوصول للمراكز.
وفي تطور لافت وخطير، شوهد عشرات المُسلحين الملثمين يقفون على جانبي الطريق المؤدي لمنطقة المساعدات، وكانوا يُطلقون النار على المواطنين، حيث يسود الاعتقاد أنهم يتبعون لمليشيات ياسر أبو شباب، وقد استعان بهم الاحتلال لقمع الجائعين.
وتداول نشطاء مقطع فيديو لعدد من المسلحين المُقنعين، وهم يحاصرون مئات المواطنين، ويجبرونهم على الجلوس أرضاً، ويطلقون النار تجاه بعضهم بدم بارد، ودون سبب، حيث وثق المقطع ذاته عدداً من الشهداء والمصابين من بين المواطنين.
ووفق مواطنين، فإن ما يحدث قرب وفي محيط مراكز التوزيع جرائم مروعة، وإعدام بدم بارد لعشرات المواطنين، فالجائعون يأتون للمراكز عُزلاً من أي نوع من السلاح، ويسيرون في طرقات حددها لهم الاحتلال، رغم ذلك يتم إطلاق النار تجاههم، وقتلهم بدم بارد.
ويقول المواطن أحمد رجب: إنهم تعرضوا لإطلاق نار من رافعة إسرائيلية خلال محاولتهم الوصول لأحد مراكز توزيع المساعدات، حيث كان يسير برفقة صديقه، الذي أصيب برصاصة في صدره، وظل ينزف إلى جواره دون أن يستطيع مساعدته، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وهو بين يديه، وقد أصر على عدم العودة من دونه، وتمكن من إعادة جثته وأوصلها للمستشفى.
وأكد رجب أن الجائعين يتعرضون لجرائم بشعة كل يوم قرب مراكز توزيع المساعدات، وبات الرصاص يصيبهم وهم في الطريق بشكل انتقائي، وتارة من الميليشيا المسلحة، وتارة أخرى من رافعات عليها كاميرات، تختار ضحاياها بشكل عشوائي وربما مقصود.
بينما يقول المواطن حسن جمعة: إنه توجه أربع مرات لمراكز توزيع المساعدات، نجح في اثنتين منهما في جلب صندوقين، لكنه واجه في المرات الأربع خطراً كبيراً، وشاهد الموت بأم عينيه، إضافة للإذلال المتعمد من قبل الاحتلال، حتى خلص في النهاية لنتيجة مفادها، أن الموت جوعاً أهون ألف مرة من الذهاب لتسلم مساعدة مغمسة بالذل والمشقة والدم، لذلك قرر مقاطعة هذه المراكز مهما بلغ حد جوعه وأسرته، ناصحاً الجميع بمقاطعتها، لأن ذلك سيتسبب بإفشالها، وبالتالي عودة طرق التوزيع القديمة، التي تصون كرامة المواطنين، وتحافظ على آدميتهم وأرواحهم.
"البلطجية"
بلغت الفوضى والانفلات الأمني في قطاع غزة ذروتها خلال الأيام الماضية، مع تصاعد عمل العصابات المنظمة، وشبه المنظمة، وانتشار البلطجية في الشوارع، وقرب المفترقات العامة، وهم يحملون أسلحة نارية وبيضاء.
ووفق مشاهدات "الأيام"، وروايات شهود عيان، فإن عشرات البلطجية ينتشرون في الشوارع، خاصة الطرقات المؤدية إلى مراكز توزيع المساعدات، ويقومون بالسطو على المواطنين، وسلب صناديق المساعدات التي حصلوا عليها من المراكز المذكورة بالإكراه، وتحت تهديد السلاح.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ انتشر البلطجية في عموم القطاع، خاصة قرب "تبة النويري"، الواقعة على شارع الرشيد غرب مخيم النصيرات، وهي التي تصل وسط القطاع بشماله، إذ يعتدي "البلطجية" على المواطنين، ويسرقون ما معهم من أمتعة، ومواد غذائية، تحت تهديد السلاح أيضاً.
وشوهدت في الآونة الأخيرة مقاطع فيديو نشرتها الأجهزة الأمنية التابعة لحركة "حماس"، تظهر عدداً من البلطجية يدلون باعترافات حول قيامهم بسرقة مواطنين، قبل أن تظهر مقاطع ضربهم.
ويقول المواطن وسام عبد الرحمن: إنه يرفض التوجه لمراكز توزيع المساعدات لخطورتها، لكنه توجه إلى الشارع الذي يصل منه المواطنون بعد تسلمهم المساعدات، واشترى من أحدهم 10 كغم طحين مقابل 400 شيكل، حيث كانت عائلته لم تتذوق الخبز منذ أكثر من أسبوعين، وخلال عودته استوقفه شخصان من "البلطجية"، ووضع أحدهما سكيناً على رقبته، وطلبا منه وضع الطحين على الأرض، ورغم توسله لهما وتأكيده أنه أشترى الطحين، وعائلته لا تمتلك الخبز، إلا انهما رفضا تركه يمضي بالطحين، وفي النهاية اضطر لتركه خشية أن يخسر حياته، خاصة بعد أن لمس رفضهما لأي نقاش معه.
بينما يقول المواطن يوسف رشيد: إنه سمع كثيراً عن وجود بلطجية، وقد شاهدهم خلال عودته من مراكز توزيع المساعدات غرب رفح، حيث أوقف ثلاثة منهم شاباً كان يسير أمامه، وطلبوا منه وضع الصندوق الذي يحمله على الأرض، وهددوه بالطعن بسلاح أبيض حال لم ينفذ، وكان معهم عدد من الصناديق التي أخذوها عنوة من المواطنين، حينها شعر بخوف شديد، لأنه اعتقد أن الدور سيأتي عليه، وفجأة ظهر شخص أشهر مسدساً وأطلق رصاصة في الهواء، وفر "البلطجية" من المكان، ونجا ومن ومعه من الشبان من السرقة والاعتداء، وهذا دليل على مدى ضعف وخوف البلطجية، والناس باتوا بحاجة لمن يحميهم.
0 تعليق