كتب عيسى سعد الله:
اضطر عشرات آلاف المواطنين من مدينة جباليا لافتراش الطرقات والتحاف السماء بعد تدمير قوات الاحتلال في أول أيام عيد الأضحى لما تبقى من مراكز إيواء في المدينة قبل اجتياح مناطقها الشرقية.
وفي الوقت الذي كان ينتظر الأطفال النازحون في هذه المراكز الاحتفال بالعيد هاموا وأسرهم على وجوهم بعد أن أنذرتهم قوات الاحتلال بإخلاء هذه المراكز فوراً قبل أن تجهز عليها وتدمرها عن بكرة أبيها بعد أقل من ساعة.
وبسبب انعدام الأماكن التي تؤويهم في أي مكان في مدينة غزة اضطر هؤلاء وعددهم يزيد على عشرين ألف مواطن لافتراش الأرض والتحاف السماء في مشهد أبكى الحجر والشجر.
وعجز المواطنون والقائمون على مراكز الإيواء الأخرى عن فعل أي شيء ملموس لمساعدة هؤلاء النازحين بسبب امتلاء المراكز بالمواطنين وعدم وجود متسع لهم وكذلك ما تبقى من منازل باتت تكتظ بالمواطنين النازحين.
وحتى الأراضي الفارغة لم يتبقَ فيها مساحات تكفي لإقامة خيمة واحدة بعد أن هجرت قوات الاحتلال أكثر من نصف مليون من محافظة شمال غزة والمناطق الشرقية لمدينة غزة باتجاه منطقة غرب المدينة ضيق المساحة.
توسيع الاحتلال لعدوانه
وعلى الرغم من مرور خمسة أيام على نزوح هؤلاء المواطنين إلا أنهم لا يزالون يفترشون الطرقات والأرصفة وفي ممرات بعض من مخيمات النزوح التي تشهد تكدساً غير مسبوق بالنازحين بسبب توسيع الاحتلال لعملياته البرية في المناطق الشرقية لمدينتي غزة وجباليا.
وبالإضافة إلى إخلاء وتدمير ما تبقى من مدارس في جباليا اضطر عشرات آلاف آخرين للنزوح من منازلهم وخيامهم في المدينة التي تتعرض لاجتياح بري طال الأحياء الشرقية والوسط وبشكل خاص أحياء عزبة عبد ربه والسلام ومنطقتي زمو والقرم والجرن وشارعي المحكمة والداخلية ومنطقة مسعود.
كما أدى القصف الجنوني الذي تتعرض له المدينة منذ أسبوع إلى نزوح معظم السكان حتى من المنطقة الغربية بعدما طالها القصف المدفعي والجوي.
وأنذرت قوات الاحتلال جميع سكان المدينة وبأحيائها النزلة وعباد الرحمن بمغادرة المنطقة فوراً والتوجه إلى مناطق غرب مدينة غزة التي لم تعد تتسع حتى لعائلة واحدة.
المجاعة المميتة
وتسببت المجاعة المميتة التي تضرب منطقة شمال القطاع وشح الطعام في تفاقم معاناة هؤلاء النازحين الذين غادروا مراكزهم ومنازلهم دون أن يتمكنوا من اصطحاب الحد الأدنى من أمتعتهم.
ودمرت قوات الاحتلال مركزي إيواء مدرستي الرافعي والنقب، فيما أخلت بالقوة ثلاثة مراكز أخرى هي: مدرسة فاطمة بنت أسد ومدرسة نجم الدين أربكان ومدرسة سري نسيبة وتوجد جميعها في وسط البلدة.
واكتظت أحياء الشيخ رضوان ومنطقة الزرقاء والنصر بالكثير من هؤلاء النازحين الذين قضوا معظم الأيام التي تلت نزوحهم دون طعام كما يقول النازح إبراهيم المطوق والذي بدا على أفراد اسرته وخصوصاً الأطفال الإعياء الشديد والهزل.
وقال المطوق في الأربعين من عمره إنه بالكاد استطاع توفير مياه الشرب لأفراد عائلته ووجبة واحدة من العدس خلال يومين.
وأضاف المطوق إنه اضطر للطلب من أبنائه البحث عن الخبز وأي طعام آخر في مراكز الإيواء أو في الأسواق.
وأوضح لـ"الأيام" أنه لم يتمكن من اصطحاب عدة كيلوغرامات من الطحين وبعض الأطعمة الأخرى لعدم قدرته على حملها بسبب قصر الفترة التي منحتهم إياها قوات الاحتلال لإخلاء مدرسة الرافعي.
تأمين الأطفال
وأكد المطوق أنه انشغل في إجلاء أطفاله ووالدته المريضة وتأمينهم في منطقة بعيدة عن المدرسة التي تعرضت بعد دقائق للقصف الشديد والذي أدى إلى تدميرها بالكامل.
فيما اشتكى المواطن محمود النجار من عدم تناول أسرته لأي نوع من الطعام في أول يومين من النزوح.
وقال النجار: نزحت مع آلاف المواطنين من البلدة باتجاه منطقة محيط شارع النفق وحي الزرقا نبحث عن مكان يؤوينا دون جدوى لنستقر بعد أكثر من عشر ساعات وعند حلول الظلام بجانب أحد البركسات في منطقة الصحابة.
ويقيم النجار حتى اللحظة في المنطقة بعد أن أحاطها بعدة شوادر منحه إياها أحد سكان المنطقة.
ويشتكي النجار من صعوبة توفيره الطعام وبحده الأدنى لأفراد أسرته.
ويحول الارتفاع الجنوني في الأسعار من قدرة معظم المواطنين على شراء أي شيء بعد أن وصل سعر كلغم الطحين إلى 100 شيكل والسكر إلى 250 شيكلاً والأرز إلى 80 شيكلاً والعدس إلى 60 شيكلاً ومتوسط سعر كلغم الخضراوات إلى 60 شيكلاً.
وتفرض قوات الاحتلال حصاراً مشدداً على قطاع غزة منذ 100 يوم تمنع خلاله دخول أي شي إليه قبل أن تسمح بدخول بضع عشرات من الشاحنات المحملة بالطحين إلى مناطق جنوب القطاع وصفتها المؤسسات الأجنبية والحقوقية بالكمية المتدنية جداً والتي لا تغطي 1% من حاجة السكان الذين يرزحون تحت وطأة مجاعة مميتة أدت إلى وفاة المئات جوعاً وبسبب أمراض مرتبطة بسوء التغذية.
0 تعليق