عاجل

نحو تحالف استثماري إماراتي ذكي - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

خالد الحوسني*

في ظل سباق عالمي متصاعد، لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر كمحرّك للنمو ومصدر لتنويع الاقتصاد، لم تعد الحوافز وحدها كافية، فقد أصبح التنافس اليوم يقوم على قدرة الدول على توفير منظومات أعمال متكاملة، تُلبّي تطلعات المستثمرين، وتربط الحوافز بمخرجات تنموية حقيقية.
لم يعد الهدف اجتذاب رؤوس الأموال فحسب، بل التركيز اليوم على استقطاب استثمارات نوعية، تُسهم في نقل التكنولوجيا، وتوطين المعرفة، وتعزيز القطاعات الاستراتيجية. ومع ذلك، لا يستفيد العديد من الدول، بما يكفي من المستثمرين الحاليين، رغم قدرتهم على لعب أدوار أوسع، فعبر دمجهم ضمن منظومات تحالف ذكية، يمكن أن يتحوّلوا إلى روّاد للجذب الاستثماري النوعي، يستقطبون شركاء جدداً، من خلال شبكاتهم الدولية وخبراتهم المتخصصة، مما يعزز من اتساع المنظومة الاستثمارية وعمقها.
وفي هذا السياق، يشهد الاستثمار تحولاً نوعياً يرتبط بالبنية التحتية الرقمية، وتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي، وتُمثل هذه التحولات أساساً لترسيخ «السيادة الرقمية»، من خلال استثمارات في أمن البيانات والحوسبة السيادية، ما يجعلها أدوات فاعلة لردع التبعية التكنولوجية، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي والسياسي.
لتحفيز المستثمرين على بناء شراكات تنموية طويلة المدى، نقترح اعتماد نظام امتيازات استثمارية متدرّج يصنّف المستثمرين، وفق أربعة محاور رئيسية:
1-حجم الاستثمار ونوعيته، مع إعطاء الأولوية للمشاريع، التي تدعم التحول الرقمي والسيادة التكنولوجية.
2-نقل المعرفة وتوطين المهارات، من خلال بناء كفاءات وطنية، واستحداث وظائف نوعية.
3-دعم القطاعات الاستراتيجية، مثل التقنيات النظيفة والمتقدمة، الذكاء الصناعي، الطاقة المتجددة، الصناعة المتقدمة، الصناعات الدوائية والزراعية الحديثة، واللوجستيات.
4-استقطاب مستثمرين جدد ذوي قيمة مضافة عالية.
تتدرج الامتيازات تبعاً لتصنيف المستثمر، وتشمل حوافز تنظيمية، وتسهيلات موسعة، وفرصاً استثمارية نوعية. وتزداد هذه الامتيازات مع ارتفاع مساهمة المستثمر في تحقيق الأهداف الوطنية، ما يفتح أمامه آفاقاً أوسع للمشاركة في المبادرات الكبرى.
وهذا النموذج لا يضمن فقط عدالة توزيع الحوافز، بل يُعزز أيضاً بيئة تنافسية محفّزة، تُعيد تعريف المستثمر كشريك فاعل في صناعة مستقبل الدولة، لا كمجرد باحث عن الربح.
تملك الإمارات مقومات مثالية لهذا النموذج: رؤية طموحة، بنية رقمية متقدمة، وموقع دولي رائد. يتكامل معيار نقل التكنولوجيا مع توجهها نحو اقتصاد معرفي، ويعزز توطين المهارات مساعيها لبناء رأس مال بشري وطني، فيما يدعم معيار التوسّع موقعها كمركز عالمي لجذب استثمارات المستقبل.
وبذلك يتحول المستثمر من مجرد مساهم اقتصادي إلى «سفير تنموي»، يُسهم في توسيع دوائر التأثير، وبناء شراكات طويلة الأجل قائمة على التكامل.
يعتمد نجاح هذا النموذج أيضاً، على بناء علاقات مستدامة مع المستثمرين، تتجاوز المعاملات قصيرة الأجل. من خلال تهيئة بيئة أعمال شفافة، وتوفير قنوات تواصل فعالة، وتقديم دعم مؤسسي مستمر، يمكن للإمارات أن تعزّز ولاء المستثمرين، وتحفّزهم على إعادة استثمار الأرباح محلياً، بما يُسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتوسيع قاعدة الشراكات الدولية.
يُشترط لنجاح هذا النظام، تطبيق حوكمة متوازنة تحفظ السيادة، وتمنع اختراق البنى الاستراتيجية. مطلوب آليات رقابة ذكية تربط الامتيازات بالمخرجات، وتضمن الالتزام بنقل التكنولوجيا وتوطين الكفاءات. كما يجب أن تظل السياسات مرنة ومُحدثة بحسب تغيرات البيئة الاقتصادية.
في الختام.. الغاية ليست جذب الأموال، بل تأسيس علاقة قائمة على الالتزام المتبادل، تجعل من المستثمر الأجنبي حليفاً في بناء مستقبل الدولة، ضمن أطر تحافظ على ثوابت المجتمع واستقلال القرار الوطني.
*ماجستير في السياسة والتجارة الدولية
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق