كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي بصورة مكثفة على كافة أنحاء قطاع غزة، وتتصاعد المجازر وعمليات القتل، خاصة تلك التي تستهدف الباحثين عن الطعام.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد من قلب العدوان والمأساة في قطاع غزة، منها مشهد يرصد تصاعد المجازر بحق الباحثين عن المساعدات، ومشهد آخر يُسلّط الضوء على تصاعد المقاومة ضد قوات الاحتلال في مختلف مناطق القطاع، ومشهد ثالث تحت عنوان "توجيهي غزة.. مستقبل غامض".
مجازر المساعدات
لا يمرّ يوم دون أن ترتكب قوات الاحتلال مجزرة أو أكثر بحق المُجوّعين الباحثين عن المساعدات في شتى أنحاء قطاع غزة.
ولم تعد المجازر المذكورة مقتصرة على مراكز توزيع المساعدات الأميركية ومحيطها، إذ امتدت في الأيام الماضية لتطال منتظري المساعدات، خاصة في مناطق جنوب خان يونس، وشرق مدينة دير البلح، وشمال غربي مدينة غزة.
وشهدت الأيام الماضية سلسلة من المجازر المُروعة، كان أكبرها جنوب محافظة خان يونس، ووقعت أول من أمس، إذ تجمع مئات المواطنين المُجوعين في محيط منطقة "التحلية"، بانتظار وصول المساعدات، وفجأة جرى استهدافهم بشكل مباشر من طائرات ودبابات الاحتلال، ما أوقع أكثر من 55 شهيداً، ونحو 250 مصاباً.
وقالت وزارة الصحة في غزة: إنه ومع تصاعد المجازر الإسرائيلية بحق الباحثين عن المساعدات، باتت أقسام الطوارئ والعناية المركزة والعمليات في المستشفيات الحكومية والميدانية تشهد حالة من الاكتظاظ الشديد، مع وصول العدد الكبير من الإصابات والشهداء.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن جيش الاحتلال يرتكب المجازر بحق الباحثين عن الطعام بشكل مباشر، حيث ينتظر تجمع أكبر عدد من المواطنين في العديد من النقاط، ويتعمد قبلها خلق حالة من الهدوء لتشجيع المزيد على القدوم إلى المنطقة، ثم يقوم بقصف التجمعات بشكل مفاجئ ومباشر، عبر سلاحَي الطيران والمدفعية، ويتخلل ذلك إطلاق النار المباشر.
وذكر المواطن حسين طه، الذي نجا من مجزرة المساعدات جنوب خان يونس، أول من أمس، أنه توجه إلى المنطقة لعله يحصل على كيس طحين أو أي نوع من المساعدات في ظل حالة الجوع الكبيرة التي تعيشها عائلته، موضحاً أنه وقف هناك لأكثر من ساعة، وحين بدأت المنطقة تتكدس بالمواطنين لاحظ انخفاض طائرات الاستطلاع، التي باتت تحلّق على ارتفاعات منخفضة فوق رؤوسهم، حينها شعر بالخطر، وقرر الابتعاد، وبعد مغادرته المنطقة بـ3 دقائق سمع أصوات انفجارات كبيرة، تخللها إطلاق نار، وشاهد سُحباً من الدخان، قبل أن يسمع صراخ الجرحى، فاختبأ لنحو 10 دقائق داخل بناية متضررة، وحين توجه للمساعدة في إخلائهم فوجئ بمشاهد صادمة ومروعة، فعشرات الشهداء تحولوا إلى أشلاء، والدماء كانت تملأ المكان، والجرحى يستغيثون طلباً للمساعدة.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة نشر مؤخراً إحصاءات وأرقاماً صادمة لضحايا المجازر الإسرائيلية بحق الباحثين عن المساعدات، والتي وصلت إلى مئات الشهداء، وعدد كبير جداً من الجرحى.
تصاعد المقاومة
بات مشهد طائرات الإجلاء الإسرائيلية، التي تهبط في مناطق تواجد جيش الاحتلال جنوب وشمال قطاع غزة، من المشاهد اليومية المُعتادة، والتي عادة ما يرتبط هبوطها بحدوث مواجهات مُسلحة، وتكبّد الاحتلال خسائر بشرية جديدة، ويترافق ذلك مع إطلاق قنابل دخانية بصورة مكثفة، وهي طريقة إسرائيلية للتغطية على سَحب الجنود القتلى والجرحى من وسط مناطق المواجهات.
ولا يكاد يمر يوم دون وقوع مواجهات مسلحة في المناطق التي يتوغل فيها جيش الاحتلال، خاصة شرق خان يونس، وشرق مدينة غزة، وشمال القطاع، بحيث يُعلن الاحتلال بشكل يومي عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف جنوده جراء تلك المعارك.
وأشار محللون ومراقبون، ومتابعون لعمليات فصائل المقاومة في غزة، إلى أنه من الملاحظ أن تلك العمليات تُنفذ بآليات وطرق مختلفة، فمنها تفجير منازل، واستهداف آليات، واستهداف تجمعات للجنود، مع استمرار عمليات القنص، وغالبية العمليات، إن لم تكن جميعها، تعتمد على نمط الكمائن المباغتة، بحيث يتعمد مقاومون تفخيخ منازل، وزرع عبوات ناسفة، أو مهاجمة تجمعات للجنود.
وبيّن محللون أن قدرة المقاومة على استمرار تنفيذ العمليات تعود إلى عدة أسباب، أهمها الحصول على قذائف وصواريخ إسرائيلية ألقيت على قطاع غزة ولم تنفجر، وجرت إعادة تدويرها واستخدامها ضد جيش الاحتلال.
وسبق ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، عن ضباط كبار في الجيش، أن آلاف الذخائر التي أسقطها سلاح الجو في قطاع غزة لم تنفجر، وبعضها يزن طناً، وأن المسلحين في غزة نجحوا في إعادة استخدام تلك الذخائر الإسرائيلية غير المنفجرة ضد أهداف عسكرية إسرائيلية.
بينما قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: إن الجيش قدّر أن المتفجرات التي يستخدمها المقاتلون في غزة مصنوعة جزئياً من قنابل الجيش غير المنفجرة.
وسبق أن بثت "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، أكثر من مقطع فيديو تحت عنوان "بضاعتكم رُدّت إليكم"، تُظهر جميعها إعادة استخدام صواريخ وقنابل أسقطها جيش الاحتلال، واستخدامها في تفخيخ منازل، وزرع عبوات ناسفة للدبابات بوساطتها.
ووصل شبان إلى مناطق شرق مدينة خان يونس، والتقط أحدهم صورة لناقلة جند مصفحة، تعرضت لعملية من قبل المقاومة، ما تسبب بتدميرها، وتحويلها إلى أجزاء منفصلة، بينما كانت آثار النيران واضحة على هيكل الناقلة المتفحم.
"توجيهي غزة.. مستقبل غامض"
ما زال عشرات الآلاف من طلبة الثانوية العامة "التوجيهي"، من مواليد عامَي 2006 و2007، يعيشون حالة من التيه، مع عدم قدرتهم على التقدم للامتحانات في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة.
ويواجه الطلبة مستقبلاً قاتماً يهدد استمرار مسيرتهم التعليمية، ويحول دون تمكنهم من الالتحاق بالجامعات، ويضيع مزيداً من السنين من أعمارهم سدى.
الطالبة هديل شاكر، من مواليد العام 2006، أكدت أنها لم تدرس سوى شهر واحد في المدرسة، ثم جاءت الحرب ولم تتمكن من استئناف الدراسة الوجاهية، ومنذ تشرين الأول 2023 وهي تدرس وتراجع المنهاج، وأخذت الكثير من الدروس الخصوصية، على أمل أن تتقدم للامتحان وتجتاز عتبة "التوجيهي"، لكن هذا لم يحدث حتى الآن.
ورغم أنها استعدت أكثر من مرة للامتحانات بناءً على إعلانات صدرت عن وزارة التربية والتعليم العالي، إلا أن شاكر ما زالت تتواجد في خيمتها، بانتظار حدوث ما سمته "المعجزة"، وتوقف الحرب، والتقدم للامتحان الذي بات من وجهة نظرها حلماً بعيد المنال.
رغم ذلك تواصل هديل الدراسة، موضحة أنها تواجه معيقات كثيرة، منها غياب الكهرباء والإنارة، فلا تتمكن من الدراسة سوى ساعات محدودة من اليوم، تتمثل في ساعات الصباح الباكر، وما قبل الغروب، وقالت: إن غياب المدارس والقرطاسية والكتب، واعتمادها على نفسها، إضافة إلى بعض الدروس الخاصة المُكلفة يعتبر عائقاً إضافياً تواجهه.
وسبق أن أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي نيتها تنظيم امتحان لطلبة "التوجيهي" خلال عام 2025، لكنّ الوزارة لم تحدد كيفية تنظيم الامتحانات في ظل استمرار الحرب، مفضّلة الانتظار لحين اتضاح الصورة، دون أن تستبعد إمكانية عقدها "إلكترونياً".
ومنذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول 2023، جعل جيش الاحتلال المؤسّسات التعليمية هدفاً للقصف والاقتحام، في مشهد يعكس تعمده تجهيل الشعب الفلسطيني، وحرمت الحرب أكثر من 785 ألف طالب وطالبة في غزة من التعليم، وتم تدمير 132 مدرسة وجامعة كلياً، كما لحقت أضرار متباينة بـ348 مدرسة وجامعة أخرى، في حين تحوّلت مئات المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين.
0 تعليق