غزة - "الأيام": لم تعد الأضرار والآثار الكارثية للآلية والطريقة الإسرائيلية المستحدثة لإدخال القليل من المساعدات الغذائية الى قطاع غزة، تقتصر على المجازر اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق المجوعين من طالبي هذه المساعدة، بل تجاوزتها لتشكل مسرحاً للشجارات العنيفة والمميتة بين هؤلاء المجوّعين.
فقد أصبحت الشوارع والطرقات المؤدية الى الأماكن المخصصة لتفريغ الشاحنات حمولتها من المساعدات، مسرحاً وساحات للانتقام والضرب والمشاكل بين المواطنين، سببها التدافع والسباق للحصول على المساعدات بسبب محدودية كمياتها.
ومع توافد عشرات بل مئات آلاف المواطنين للأماكن المرشح إفراغ الشاحنات حمولتها فيها، يبقى الأمل والحظ بحصول المواطن الواحد على مساعدة متدنياً، ما يدفع المواطنين الى التدافع، وبالتالي خلق الظروف الملائمة للمزيد من الفوضى القاتلة، التي ينتج عنها عشرات الشجارات القاتلة والخطيرة.
ولم تتوقف هذه الإشكاليات، التي تستخدم فيها كافة أشكال الأسلحة النارية والبيضاء والمطارق والطوب طوال ساعات انتظار المواطنين، وتزيد خلال وصول الشاحنات، حيث يتسابق المواطنون ويتدافعون بشكل هستيري، ويتسلقون دون وعي الشاحنات وسط مخاطر كبيرة، وعمليات ضرب قبل السيطرة على ما تيسر من أكياس طحين، أو صناديق متواضعة من المساعدات الغذائية.
وأصبح مشهد شج الرؤوس والجروح الغائرة في الوجه وكسر الأيدي والأقدام دارجاً بين منتظري المساعدات، وبشكل خاص خلال رحلة عودتهم بعد انتهاء السيطرة والسطو على المساعدات.
وتسجّل المصادر الإسعافية وأوساط المواطنين يومياً مئات الإصابات نتيجة الشجارات والتدافع والازدحام الذي يغطي مساحات واسعة من الشوارع والطرقات.
ولم تعد معاناة هؤلاء الذين يقطعون عدة كيلو مترات للوصول الى هذه الأماكن، تقتصر على مجازر وعمليات قنص جيش الاحتلال بل، أيضاً، من جشع البعض والعصابات التي ظهرت مؤخراً على نطاق واسع.
ويعزو مواطنون أصيبوا وآخرون لم يصابوا هذه الظاهرة إلى الجشع والجوع والخوف من عدم حصولهم على المساعدات.
وقال هؤلاء خلال أحاديث منفصلة مع "الأيام" إن انتظار المساعدات أصبح مغامرة كبيرة تنطوي على مخاطر جسيمة، سواء من جيش الاحتلال أو من خلال العصابات التي تنتشر بشكل كبير جداً.
ودفع انعدام الأمن في طوابير وزحمة الانتظار جميع المواطنين الى تسليح أنفسهم بالسلاح الأبيض أو بالمسدسات أو بالعصي لحماية أنفسهم خلال ظفرهم بأية كمية من المساعدات، كما هو الحال مع الشاب محمد هنية الذي تعرض للضرب الشديد سابقاً خلال انتشاله كيس طحين من على متن إحدى الشاحنات التي وصلت الى منطقة السودانية، شمال غربي مدينة غزة، قبل أسبوع.
وقال: لا يمكن التنبؤ بما سيحدث لك خلال انتظارك للمساعدات، وبشكل خاص خلال وصول الشاحنات التي تنقلها، وذلك عندما تتدافع جموع هائلة من المواطنين غالبيتهم مسلحون.
وأضاف هنية: في إحدى المرات تعرضت للضرب من أكثر من شاب لعدم انصياعي لطلبهم بترك كيس الطحين الذي حصلت عليه بعد عناء طويل.
وأشار إلى أنه "لولا الحاجة الماسة لأسرتي وعدم تذوقهم طعم الخبز منذ أيام طويلة لتركت الكيس لهم، ولكن فضلت تحمل الضرب لفترة طويلة من أجل العودة بكيس الطحين الذي أدخل الفرحة في نفوس الأطفال والعائلة".
وبيّن هنية أنه لم يخبر أبناءه بأن آثار الكدمات على يديه وظهره نتيجة الضرب، وتظاهر بأنه نتيجة التزاحم والتدافع حتى لا يثنونه عن قراره الذهاب مرة أخرى للحصول على كمية أخرى من المساعدات.
أما الشاب عدي سعد فقد تعرض للضرب للمرة الثالثة خلال حملة صندوق مساعدات أول من أمس، واضطر للذهاب إلى المستشفى بعد أن أصيب بشج كبير في رأسه بعد أن ضربه أحد المواطنين بحجر برأسه لإجباره على ترك الصندوق.
وأوضح سعد أنها المرة الرابعة التي يتعرض فيها للضرب منذ اعتماد الاحتلال هذه الآلية لتوزيع المساعدات القليلة على سكان قطاع غزة.
ونظراً لتخصيص الاحتلال طريقاً واحدة فقط لإدخال المساعدات إلى منطقة شمال غزة، فإن أعداد المنتظرين تبقى كبيرة جداً، وتتجاوز نصف المليون في المنطقة الممتدة من شمال مخيم الشاطئ جنوباً وحتى دوار السودانية شمالاً، وهي مسافة تتجاوز ثلاثة كيلو مترات.
وتمتلئ هذه المنطقة بجموع المجوعين ومنتظري المساعدات من جميع الفئات، بما في ذلك الأطفال والنساء اللواتي لم يسلمن أيضاً من الضرب والإهانة كما قالت إحداهن لـ"الأيام".
واشتكت هذه السيدة، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، ممّا اسمته انعدام الاحترام للنساء خلال انتظار المساعدات. وقالت: عندما تصل الشاحنات لا أحد ينظر للآخر وكأنه يوم القيامة، الكل يعتني بنفسه ولا أحد مستعد لأن يقدم الخدمة للآخر، خاصة للنساء اللواتي لا يستطعن المزاحمة بسبب المخاطر العالية، والحاجة الى الجهد المضاعف.
وأكدت أنها "لم تأتِ الى هنا من فراغ بل لعدم وجود معيل للأسرة غيرها"، معربة عن حزنها الشديد لفشلها أكثر من مرة في الحصول على أي شيء.
ولا تغطي الكميات التي يسمح جيش الاحتلال بدخولها إلى منطقة شمال غزة، حاجة 5% من السكان، حسب إحصاءات المؤسسات العاملة في المنطقة.
وتفرض قوات الاحتلال حصاراً مشدداً على قطاع غزة منذ الأول من شهر آذار الماضي، وترفض السماح للمؤسسات الإغاثية، الأممية والمحلية، بإدخال أي مساعدات وبشكل خاص لمنطقة شمال غزة، التي استثنتها من الآلية المستحدثة لتوزيع المساعدات، والتي اقتصرتها على منطقة رفح والمخيمات الوسطى.
0 تعليق