«ساي تيك ديلي»
في قلب الغابات الاستوائية الكثيفة، حيث تنبض الأرض بأعلى درجات التنوع البيولوجي، يتفشى تهديد صامت لكنه متسارع، يتمثل في النباتات العارشة المتسلقة. هذه النباتات، التي لطالما كانت جزءاً من النظم البيئية الطبيعية، لم تعد مجرد عنصر ثانوي في المشهد البيئي، بل أصبحت عاملاً مغيراً لقواعد اللعبة، فقد أظهرت دراستان حديثتان من جامعة ليدن الهولندية، أن هذه النباتات تنتشر في الغابات الاستوائية (رئة الأرض) حول العالم بوتيرة مقلقة وتخنقها، ما يهدد دور هذه الغابات في تنظيم المناخ وتخزين الكربون.
في السابق، كان يعتقد أن انتشارها يقتصر على مناطق في أمريكا الجنوبية، لكن الأبحاث الجديدة أظهرت أن هذه النباتات تتوسع في جميع الغابات الاستوائية، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتشير البيانات إلى أن انتشارها يتزايد بنسبة تتراوح بين 10 و24% كل عقد، ما يعني أننا أمام ظاهرة عالمية قد تتفاقم إذا لم تعالج جذورها.
الخطورة لا تكمن فقط في انتشار هذه المتسلقات، بل في طبيعة تأثيرها، فهي تتسلق الأشجار وتستخدمها كدعامات، لكنها في المقابل تخنقها وتحجب عنها الضوء، وهذا يضعف الأشجار، والأسوأ من ذلك أنها تمنع تجدد الغابات، لأنها تسيطر على المساحات التي كانت ستنمو فيها أشجار جديدة، والنتيجة تراجع كبير في قدرة الغابة على امتصاص الكربون، وفي بعض المواقع التي سيطرت فيها هذه النباتات بشكل كثيف، انخفضت قدرة الغابة على تخزين الكربون بنسبة تصل إلى 95%، وهو ما يعادل تقريباً إزالة الغابات بالكامل.
ويرى ماركو فيسر، الباحث من مركز ليدن للعلوم البيئية، أن هذه النباتات المتسلقة تستفيد بشكل غير متكافئ من ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، إذ لا تحتاج إلى استثمار في البنية الهيكلية كما تفعل الأشجار، فأوراقها مسطحة ولا تحتاج إلى طاقة كبيرة، وتصل بسرعة إلى أعالي مظلة الأشجار، حيث تلتهم الضوء، وتترك القليل جداً للنباتات الأخرى.
ومن المثير أن هذه الخصائص تجعلها مرئية من الفضاء، فقد طور الباحثون نماذج رياضية تتنبأ بكيفية انعكاس الضوء من أوراقها، وأكدوا من خلال قياسات ميدانية في بنما، أن أوراقها تعكس الضوء والأشعة تحت الحمراء بطريقة مميزة، ما يسمح بتتبعها عبر صور الأقمار الصناعية.
ورغم كل هذا، يحذر العلماء من التسرع في إزالة النباتات العارشة، فبعض الحيوانات، كالطيور والقرود، تعتمد على ثمارها كمصدر غذاء دائم.
0 تعليق