نهاية الردع وصمود السلام - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة
لاثني عشر يوماً، دارت حربٌ عن بُعد بين إسرائيل وإيران، انتهت بقبول وقف إطلاق النار، بمبادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بعد أن قامت الولايات المتحدة، بنجدة إسرائيل بتدخل محدود إثر غارة جوية أسفرت عن إصابة ثلاثة مواقع نووية في إيران، بأضرار بليغة، إن لم تنهِ برنامج إيران النووي، إلا أنها، بالقطع أضرت به أضراراً شديدة، تقتضي وقتاً طويلاً لإعادة تأهيله، ومن ثَمّ مواصلة المضي في المشروع.

اللافت في الغارة الأمريكية، بالرغم من الجدل، في الولايات المتحدة، حول نجاحها.. كما أن هناك من يجادل بفاعليتها.. هناك أيضاً من ينتقد الضربة الجوية الأمريكية أنها لم تتعرض لبرنامج الصواريخ الإيرانية، ربما لحسابات خاصة بواشنطن، لتبقى بيدها مقدرات السلام والحرب في المنطقة، حفاظاً على سلامٍ مهما بلغ مستوى هشاشته، إلا أن إدارة الرئيس ترمب تراه كافياً للإبقاء على مستوى من الهدوء والاستقرار، لدفع طرفَي الصراع، لتدبّر إمكانات إنهاء الصراع بينهما، أو على الأقل تخفيف مستويات توتره.

اللافت أيضاً، في تلك الحرب أن إسرائيل، هي التي صرخت أولاً، وإن جاء صراخها على استحياء، وبصوتٍ خافت، استدعاءً لنجدة واشنطن. إسرائيل، التي كانت طوال الحرب التي خاضتها في المنطقة، لأكثر من ستمائة يوم، ترفض رفضاً قاطعاً مبدأ وقف إطلاق النار، نراها تقبل مبادرة الرئيس ترمب، دون تردد! بالإضافة إلى أن الضربة الأخيرة في تلك الحرب، جاءت من طهران، التي أطلقت صاروخاً باليستياً أحدث أضراراً شديدة بمدينة بئر السبع، وتدخل الرئيس ترمب شخصياً لمنع إسرائيل من الرد، حيث طلب إسرائيل إرجاع ما يقرب من خمسين طائرة وهي في منتصف الطريق لأهدافها، خوفاً من إطلاق موجة تصعيد جديدة، تذهب بجهود الرئيس ترمب في مبادرته لوقف إطلاق النار، ومن احتمالية توسع رقعة القتال، بعد أن قامت إيران بقصف «خجول» لقاعدة العديد في قطر.

يمكن القول هنا إن مبادرة الرئيس ترمب لوقف إطلاق النار هي بمثابة هدنة صامتة، غير ملزمة لطرفَي الصراع، لا محاولة جادة لإنهاء الصراع والبدء جدياً في تبصّر خطة عملية لإرساء سلام جدي في المنطقة. لا يعني هذا أن مبادرة وقف إطلاق النار الأمريكية، لم تكن بتلك الأهمية الإستراتيجية، التي يرجع الفضل فيها للرئيس الأمريكي، رغم الشك في فاعليتها، في الدوائر السياسية والصحفية، في واشنطن، إلا أنها، بلا شك أظهرت كم تتمتع واشنطن بقدرات حقيقية (إستراتيجية) في الإبقاء على حالة من التوازن في المنطقة، سواء بإمكانات التدخل المباشر (المحدود) في الصراع، أو في القدرة على التحكم في سلوك أطراف الصراع، سواء تجاه وقف حركة التصعيد.. أو الإبقاء على حركة الصراع متقدة.

إذا ما استطاع الرئيس ترمب أن ينجو من انتقادات الكونجرس في تجاوزه لصلاحيات السلطة التشريعية في أمور القتال خارج الحدود، دون أخذ إذن الكونجرس.. والحملة الصحفية ضده، حول فاعلية الضربة الجوية للمفاعلات النووية الإيرانية، فإن الرئيس ترمب يمكن أن يحظى بتاريخية وصفه أنه أول رئيس أمريكي اتخذ مبادرة حقيقية لوضع أسس السلام في المنطقة، وإلا فإن الأمر لا يعدو كونه هدنة صامتة ومؤقتة، تمهيداً لحرب قادمة، في المنطقة، أقسى وأمر.

في حقيقة الأمر أن الخاسر الحقيقي في موجة الصراع الأخيرة في المنطقة، هي إسرائيل. إسرائيل، من الناحية الإستراتيجية، فقدت ميزة الردع الإستراتيجي، التي تمتعت بها حتى السابع من أكتوبر ٢٠٢٣. إسرائيل لم تعد ذلك «البعبع»، الذي يخشاه الجميع. ثم إن إسرائيل، بمواردها المحلية، لا تستطيع ضمان أمنها، لولا الدعم السياسي والأمني والاقتصادي، الذي تتلقاه من الغرب، خاصةً الولايات المتحدة.

ثانياً: أن تاريخية السلام، هي العائق الأساس، الذي يحول بين الدولة العبرية، ليس فقط إعلانها كقوة إقليمية كبرى، تتحكم في قضايا سلام وأمن المنطقة، بل حتى احتمالات وجودها وبقائها. هذا لا يعني أن إيران كسبت الحرب، بل إن طهران بعد تجربة خوض هذه الحرب عليها أن تكون أكثر تواضعاً في طموحاتها الإقليمية. لقد خسرت طهران في هذه المواجهة مع إسرائيل وما قبلها من هزائم طالت أذرعها في المنطقة، جميع ما استثمرت فيها من موارد وبشر وبنى تحتية، طوال أكثر من أربعة عقود.

السلام أكبر وأعقد استعصاءً من أن يُهزم، في أرض الرسالات، من أي قوة إقليمية أو دولية.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق