عاجل

سباق التغيير.. وطرد الإنسان من سوق العمل - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة
قد يقبل الإنسان التغيير ويتأقلم معه، وقد يصبح التغيير محموداً في كثير من الأحيان، لكن من غير الطبيعي أن يكون التغيير غاية بذاته. فلا يكاد الإنسان المعاصر يلتقط أنفاسه بعد إتمام عملية تغيير إجرائية؛ إدارية أو تنظيمية في عمله ومهنته، حتى يدخل في عملية تغيير تقنية جديدة في هاتفه ومحموله أو المنصات الرقمية التي أصبحت تمثل تقريباً كافة المؤسسات الحكومية التي لها علاقة بالخدمات العامة. ثم لا يلبث هذا الإنسان المعاصر أن يجد نفسه أمام جملة من التشريعات والقوانين الجديدة التي قد سُنّت وتم تعديلها على نطاق رسمي واسع لبعض الأجهزة الخدمية والبنوك والمؤسسات المختلفة، وهذا كله ينعكس مباشرة على الأسرة كوحدة واحدة وكأفراد، ثم ينعكس ذلك تلقائياً على علاقات الفرد الأسرية والاجتماعية.

ثم تتكرر أغلب التغييرات والتحديثات دورياً وبعد فترة وجيزة مع ما يصاحبها من تداعيات مهنياً ونفسياً واجتماعياً واقتصادياً يتحملها البعض مرةً أو مرتين، يضطر معها الإنسان الطبيعي للاستعانة بمن يساعده على مواكبة التغييرات في حدود الضرورة القصوى. وفي حالات أخرى قد يضطر معها البعض من الأفراد والمؤسسات للتعاقد مع جهات متخصصة أو شبه متخصصة للمساعدة على مواكبة ومجاراة تلك التغييرات المتزايدة والمتسارعة. فما هي القدرة النفسية والذهنية والجسدية الطبيعية للإنسان الطبيعي لتحمل ومسايرة التغيير؟ وهل تفرض هذه الإشكالية حاجة مستجدة لدراسة ومراجعة حقوق الإنسان وتحديثها بما يتماشى مع قدرة الإنسان؟

لكن تحديات التغيير وتكرار التغيير لم تعد وحيدة أمام تحديات «سرعة» التغيير الفائقة والتي تتجاوز قدرات الإنسان الطبيعي ومدركاته بما فرضته من سباق غير متكافئ بين الإنسان والآلة «التقنية» وما يترتب عليها أو ينتج عنها من تداعيات وتبعات لا قِبلَ للإنسان بها، إلى جانب ما يقتضيه التغيير التقني من تشريعات وقوانين مواكبة وتابعة لها في كثير من الحالات، التي تتسبب ربما بإحداث خلل وعطب في قدرات الإنسان النفسية والذهنية والجسمانية، وبالتالي القدرات المهنية والاجتماعية والاقتصادية التي لا يمكن استعادتها بالتدريب والتطوير كما يظن البعض. فما هي السرعات الطبيعية المقبولة وتقع ضمن قدرة الإنسان الطبيعي في تحمل ومسايرة التغيير «السريع»؟ فما هي سرعة التغيير المقبولة بشرياً وهل نحن أمام احتياج جديد لاختبار ومراجعة القدرات البشرية في هذا المضمار؟ وما مدى حاجتنا لتحديث ما يتوفر لدينا من معايير ومقاييس للقدرات البشرية في تقبّل وتحمّل التغيير والتي تمت ربما في ظروف مختلفة عما يعيشه الإنسان اليوم تحت تأثير «التغيير السريع»؟

هل بات علينا أن نبحث عن تشريعات وقوانين تحمي حقوق الإنسان الطبيعي إنسانياً ومهنياً واجتماعياً واقتصادياً من «التغييرات» «السريعة» التي غالباً ما تقودها الآلة والتقنية وما يترتب عليها من سلسلة من التغييرات؟

إن أخطر ما يواجهه الإنسان اليوم هو التحالف المتزايد والمتنامي والذي بدأت تتكشف ملامحه بين الرأسمالية العالمية المتوحشة وشركات التقنية المهووسة بالهيمنة والمسكونة بالسيطرة، والتي لم تعد تخفي رغبتها بدفع الإنسان الطبيعي خارج منافسة الآلة «التقنية» والسعي لطرد الإنسان من دائرة الإنتاج وحصره في دائرة الاستهلاك فقط، وإبعاده عن سوق العمل ليحتكر الروبوت والذكاء الاصطناعي سوق العمل وتسريح الإنسان.

إن البطالة اليوم لم تعد بين ذوي التعليم المنخفض أو بين من يفتقرون للمهارات العصرية أو غير المواكبين لتطوير وتحسين قدراتهم المهنية، لكن البطالة اليوم هي بمثابة «إبادة جماعية» للإنسان وطرده خارج سوق العمل، نتيجة للتحالفات المتنامية والمتسارعة بين الرأسمالية العالمية وشركات التقنية الكبرى المهووسة والمسكونة بالهيمنة والسيطرة على العالم اقتصادياً وسياسياً وحتى أمنياً وعسكرياً بما في ذلك الزيادات الكبيرة والمفاجئة للتعرفات الجمركية. ومن هنا يمكن فهم دوافع المنظمات والتيارات التي تعمل على تغيير الجنس البشري وتدمير الأسرة والأخلاق.

أخبار ذات صلة

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق