عاجل

ثريا قابل.. كتبت بماء الضوء وواجهت العمالقة ببلاغة الندى - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة
في عمق المشهد الثقافي السعودي، وفي منعطفات التحول الحاد بين التقليد والحداثة، تبرق ثريا قابل، كاسمٍ لا يُختصر، ولا يُجاور، ولا يذوب في جماعة، بعد أن فرضت وجودها كقصيدة حالمة تمشي على قدمين، وكامرأة خرجت من حبر التحديات لتقف تحت نورٍ كانت هي ذاته.

لم تكن بنت جيلها فحسب، بل سيدة الأجيال التالية، الشاهدة على انكسار الأنثى في مهدها، والمُصرّة على ألا تكون القصيدة مطأطئة الرأس أمام عروش الشعر الذكوري آنذاك.

وُلدت ثريا قابل، من رحم مدينة الورد والضوء، وخرجت إلى العالم بقلمٍ لم يعرف المهادنة. في خمسينيات القرن الماضي، حين كان يُنظر إلى صوت المرأة على أنه تمرد، نطقت باسم صريح، فغنّى لها طلال مداح، وطاف صوتها مع محمد عبده، وفوزي محسون، وغيرهم، لا كوردة في يدٍ مرتعشة، بل كراية ترفرف في سماء الإبداع.

كانت قصيدتها «جاني الأسمر» أشبه بإعلانٍ نسائي جريء في زمن كانت تُكتب القصائد من خلف الستار. لكنها وقفت في صدارة الحرف، وواجهت جبابرة الشعر بلغة الرقة، ونازلت العمالقة ببلاغة الندى.

ظلّت ثريا قابل طوال ثمانية أشهر حديث الصحافة والأدباء كعوّاد ومنّاع وآخرين، لا بفعل جدل مفتعل أو فُقّاعة وقتية، بل بفضل ما زرعته من دهشة بديوانها (الأوزان الباكية)، وما أحدثته من خلخلة في وعي المتلقّي. لقد أجبرت الساحة الثقافية أن تلتفت، وأن تُعيد النظر في موقع المرأة لا كمُلهِمة، بل ككاتبة تُلهم.

في الإعلام، لم تكن قابلةً للقولبة. كتبت في الصحف، وأدارت الحوارات، ونافست بلطفٍ صارم، وكانت تطلّ على القارئ لا بوصفها امرأة تكتب، بل بوصفها كاتبة لا تُجارى. كان حضورها يفيض على الصفحات، وكانت كلماتها تسبق زمانها، حتى بدت في مقالاتها كمن يُدوّن تاريخاً غير مكتوب، ومشروعاً ناعماً للمقاومة الأدبية النسوية.

ثريا قابل، لم تكن مجرد قامة شعرية، بل كانت وعياً يمشي في قلب الزمن، امرأة كتبت لتُنقذ ذاكرتها من التلاشي، وكتبت لتُذكّرنا أن اللغة أنثى، وأن القصيدة لا تُولد كاملة إلا حين تكتبها امرأة تعرف كيف تُربك التقاليد دون أن تكسرها، وتُدهش اللغة دون أن تصرخ.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق