ستيف بينين *
لطالما استُخدم خفض الإنفاق الفيدرالي أداة خطابية في الحملات الانتخابية الأمريكية، لكن ما يحدث بعد الفوز غالباً ما يكشف الهُوّة بين الطموح والواقع. إيلون ماسك، آخر من تبنّى هذا الخطاب، يقف اليوم في مواجهة اختبار الحقيقة.
فقبل موعد الانتخابات الرئاسية 2024، تفاخر ماسك أمام العالم بأنه إذا انتخب الأمريكيون الحزب الجمهوري فسيكتشف سبلاً لخفض تريليوني دولار على الأقل من الانفاق الفيدرالي. لكن بعد فوز ترامب، قرر التراجع عن ذلك الرقم كثيراً، معلناً أن لديه «فرصة جيدة» لخفض تريليون دولار، ما يُقلص هدفه الأصلي إلى النصف.
مؤخراً، وأثناء اجتماع لمجلس الوزراء في البيت الأبيض، أضاف الملياردير الشاب وكبير مانحي حملة الرئيس إلى هذا النمط، مشيراً إلى أنه، ومبادرة «دوجي»، وزارة الكفاءة الحكومية الوليدة، يتوقعان خفضاً في الإنفاق بقيمة 150 مليار دولار - وهو جزء صغير من الهدف الذي طرحه على الناخبين الخريف الماضي.
ومما يزيد الطين بلة، أن هذا الرقم يبدو غير دقيق أيضاً، حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن فريق عمل ماسك يُحصي مدخراته حتى الآن، ويُضخم تقدمه من خلال تضمين أخطاء بمليارات الدولارات، وحساب الإنفاق الذي لن يتم في السنة المالية المقبلة، وتخمينات بشأن إنفاق قد لا يحدث على الإطلاق.
وأضاف تقرير التايمز أنه بينما يدّعي موقع وزارة الكفاءة الحكومية الإلكتروني توفير 150 مليار دولار من الإنفاق الفيدرالي، فإنه حتى عدة أيام مضت قدّم تفاصيل على مستوى الإيصالات لأقل من 40% من هذا المبلغ. وعندما طلبت الصحيفة توضيحات من الوزارة والبيت الأبيض، لم يُجب أي منهما، كما لم يبذل مسؤولو الإدارة أي جهد لإثبات مزاعم ماسك. كما أشار تقرير مُصاحب إلى أن موقع «دوجي» الإلكتروني مليء بالأخطاء والحساب المزدوج وغير ذلك من المغالطات الكبيرة. وقبل ذلك بيوم واحد، أشارت الصحيفة أيضاً إلى أن ماسك قد أدلى بادعاءات استفزازية حول احتيال واضح في إعانات البطالة، التي انهارت هي الأخرى تحت التدقيق.
وصرحت ريبيكا سيسكو، المتحدثة باسم إدارة أمن التوظيف في ولاية إلينوي، في إشارة إلى ادعاءات الملياردير الزائفة، قائلة: «هذه البيانات متاحة بسهولة، ومُبلّغ عنها، وخاضعة للتدقيق على مختلف المستويات والدوائر الحكومية منذ سنوات. وهذا مثال آخر على سوء فهم تقرير دوجي لهذه البيانات في أحسن الأحوال، وتشويهها بشكل صارخ في أسوأ الأحوال».
يأتي هذا في أعقاب مشكلة ذات صلة، روّج خلالها ماسك أيضاً لادعاءات كاذبة حول احتيال الضمان الاجتماعي، ما أثار تساؤلات مماثلة حول عدم كفاءته الحكومية، وما إذا كان الملياردير مرتبكاً ببساطة أم أنه يحاول عمداً خداع الجمهور.
التفسير المريح لهذا هو أنه مجرد هاوٍ وقع في فخّ شائع. في كثير من الأحيان يسود افتراض بين الخارجين عن السياسة بأن واشنطن العاصمة مليئة بالمتهورين. أما البيروقراطيون الذين يدفعون المال، وجماعات الضغط الفاسدة، والسياسيون الخائفون الذين يركزون فقط على خطط إعادة انتخابهم، كما يفترضون، فينخرطون في سرد مماثل وممل، لكنهم يفشلون جماعياً في القيام بعمل ذي معنى أو اتخاذ قرارات صعبة.ولمن يؤمنون بهذا، هناك حل واضح: لا بد من وجود رواة حقائق جريئين، مدفوعين بالفطرة السليمة ومنظور جديد، في العاصمة الأمريكية، وسيُحدثون تغييراً جذرياً دون مراعاة للافتراضات البالية والقديمة.
تكمن مشكلة هذا الافتراض في أنه سخيف، كما يدركه من يؤمنون به حتماً عند وصولهم إلى واشنطن، ويكتشفون ضآلة معرفتهم بالحكم وصنع السياسات على المستوى الفيدرالي.
التفسير الأقل تسامحاً اليوم هو أن ماسك كان في الواقع يفهم التفاصيل ذات الصلة جيداً، وقد روّج لادعاءات غير منطقية ربما، انطلاقاً من اعتقاد ساخر بأن الكثيرين سيصدقون الهراء.
في نهاية المطاف، ليست المشكلة أن إيلون ماسك لا يفهم الحكومة، بل في اعتقاده أنه لا يحتاج إلى فهمها كي يُصلحها. ومثل كثير من المنقذين المفترضين، يسقط تحت ثقل التناقض بين الوعود الكبرى، والواقع الذي لا يلين. فالإصلاح الحقيقي لا يتحقق بالتغريدات أو سرديات الخلاص الفردي، بل بفهم معقد للتفاصيل، ومواجهة التحديات الحديثة بعيداً عن الاستعراض.
* كاتب مقال في قناة «إم إس إن بي سي»
0 تعليق