26 أبريل 2025, 8:23 صباحاً
في خطوة دبلوماسية بالغة الأهمية، كشفت "رويترز" عن تفاصيل رد سوري كتابي على قائمة شروط أمريكية وضعتها واشنطن كسبيلٍ لإمكانية تخفيف جزئي للعقوبات القاسية المفروضة على دمشق، وهذا الرد، الذي اطلعت الوكالة على نسخة منه أخيراً، يأتي في وقتٍ حرجٍ تسعى فيه سوريا جاهدةً لإنعاش اقتصادها المنهار بعد ما يقرب من 14 عاماً من الصراع، فبينما تؤكّد دمشق في رسالتها أنها تصرّفت بناءً على معظم المطالب الأمريكية، تشير إلى أن بنوداً أخرى حاسمة تتطلب "تفاهمات متبادلة" مع الجانب الأمريكي، مما يفتح الباب لتساؤلاتٍ حول مدى التقدُّم المحتمل في هذا المسار الشائك.
قائمة الشروط
وسلّمت الولايات المتحدة إلى دمشق، الشهر الماضي، قائمةً بثمانية شروط محدّدة. من أبرز هذه الشروط تدمير أيّ مخزوناتٍ متبقية من الأسلحة الكيميائية لدى سوريا، وضمان عدم منح أدوار حكومية عُليا لأجانب. وتسعى واشنطن، من خلال هذه المطالب، إلى بناء "إجراءات محدّدة ومفصّلة لبناء الثقة"، حسب وصف متحدثٌ باسم وزارة الخارجية الأمريكية. في المقابل، أشارت مصادر لـ"رويترز" في مارس الماضي، إلى أن تلبية جميع هذه المطالب قد تدفع واشنطن لتمديد إعفاء جزئي من العقوبات، وكان قد صدر في يناير لمدة ستة أشهر لتشجيع المساعدات، لمدة عامين، وربما إصدار إعفاءٍ آخر.
وجرى تسليم قائمة الشروط خلال اجتماعٍ شخصي بين المسؤولة الأمريكية ناتاشا فرانتشيسكي؛ ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني؛ في بروكسل يوم 18 مارس، على هامش مؤتمرٍ للمانحين، وتكشف نسخة الرسالة السورية، التي لم يُكشف عن محتواها سابقاً وتطابقت مع ما ذكره مسؤولان غربيان ومسؤولٌ سوري مطلعون، عن تعهدٍ دمشقي بإنشاء مكتب اتصالٍ في وزارة الخارجية لمتابعة قضية الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس. كما تفصل الرسالة الخطوات المتخذة لمعالجة ملف مخزونات الأسلحة الكيميائية وتعزيز العلاقات مع الهيئة العالمية لمراقبة الأسلحة.
ملف المقاتلين
وعلى النقيض من التفاصيل المقدَّمة بشأن تايس والأسلحة الكيميائية، بدت الرسالة أقل وضوحاً بشأن مطالب رئيسة أخرى، ففيما يتعلق بإبعاد المقاتلين الأجانب، ذكرت الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا القضية سابقاً مع المبعوث الأمريكي السابق دانيال روبنشتاين؛ لكنها اعتبرت أنها تتطلب "جلسة تشاورية أوسع"، واكتفت الرسالة بالقول إنه تمّ تعليق منح الرتب العسكرية بعد الإعلان السابق في ديسمبر الماضي عن ترقية ستة أفراد من جنسيات مختلفة (أويغوري، أردني، تركي) في القوات المسلحة، دون تحديد ما إذا كانت هذه الرتب قد سُحبت أو الإشارة إلى خطوات مستقبلية محدّدة. وذكر مصدرٌ مطلعٌ على النهج السوري أن دمشق قد تسعى لتأخير معالجة هذه القضية قدر الإمكان، مستندة إلى وجهة نظرها بشأن معاملة المسلحين غير السوريين الذين ساعدوا على الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وبشأن طلب التنسيق في مسائل مكافحة الإرهاب والسماح للولايات المتحدة بشن ضربات ضد أهداف إرهابية في سوريا، اعتبرت الرسالة أن "المسألة تتطلب تفاهمات متبادلة"، وتعهدت الرسالة بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أيّ تهديداتٍ للمصالح الأمريكية أو الغربية في سوريا، ووعدت بوضع "إجراءات قانونية مناسبة" دون تقديم تفاصيل، ويأتي هذا في ظل موقف الرئيس السوري أحمد الشرع؛ الذي أكّد سابقاً أن وجود القوات الأمريكية في سوريا غير مصرّح به ويجب الاتفاق عليه مع الدولة، وأفاد مسؤولٌ سوري مطلع بأن دمشق تبحث عن سبل أخرى لإضعاف المتطرفين دون منح الولايات المتحدة إذناً صريحاً بالضربات، وهو ما يعد خطوةً حسّاسةً بعد سنواتٍ من القصف الجوي الأجنبي لسوريا.
تقييمات وآمال
ووصف دبلوماسي رفيع وشخص آخر مطلع على الرسالة لـ"رويترز"، بأنها عالجت خمسة من المطالب الأمريكية بالكامل، بينما بقيت المطالب الأخرى "معلقة"، وأشارت المصادر إلى أن الرسالة أُرسلت في 14 أبريل، قبل أيامٍ من توجّه وزير الخارجية أسعد الشيباني؛ إلى نيويورك لإلقاء كلمته الأولى أمام مجلس الأمن، التي سعى فيها لإظهار أن سوريا تعالج بالفعل بعض المطالب الأمريكية، مثل الأسلحة الكيميائية والبحث عن المفقودين، وكان الشيباني؛ وفقاً لمسؤول سوري ومصدر أمريكي، يعتزم مناقشة محتويات الرسالة مع مسؤولين أمريكيين خلال زيارته لنيويورك. وتأمل سوريا، حسب رسالتها، أن تؤدي الإجراءات المتخذة، التي وصفتها بـ "الضمانات"، إلى عقد اجتماعٍ لمناقشة جميع النقاط بالتفصيل، بما في ذلك رفع العقوبات وإعادة فتح السفارات.
وفيما يخص المسلحين الفلسطينيين في سوريا، ذكرت الرسالة أن أحمد الشرع؛ شكّل لجنة "لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية"، وأن الفصائل المسلحة خارج سيطرة الدولة لن يُسمح لها بالعمل. وتضمن هذا الجزء من الرسالة تعهداً صريحاً: "بينما يمكن أن تستمر المناقشات حول هذا الأمر، فإن الموقف العام هو أننا لن نسمح لسوريا بأن تصبح مصدراً للتهديد لأيّ طرفٍ، وجاءت هذه الرسالة قبل أيام قليلة من قيام السلطات السورية باعتقال مسؤولين فلسطينيين اثنين من حركة الجهاد، كما أقرّت الرسالة بـ "التواصل المستمر" بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلين أمريكيين في العاصمة الأردنية عمّان بشأن مكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي، وأبدت سوريا ميلاً لتوسيع هذا التعاون، في محادثات مباشرة لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً.
وتكشف هذه الرسالة عن محاولة سورية لتقديم ما تعدّه امتثالاً لبعض المطالب الأمريكية، مع الإبقاء على هوامش للمناورة والمطالبة بالحوار بشأن النقاط الأكثر حساسية أو التي تعدّها تتعلق بالسيادة الوطنية، لكن هل ستعتبر واشنطن هذا الرد كافياً لفتح مسارٍ جادٍ نحو تخفيف العقوبات التي تضغط بقوة على الاقتصاد السوري، أم أنها ستتمسك بموقفها الرافض لأيّ تطبيعٍ قبل اتخاذ السلطات السورية إجراءات حاسمة وشاملة تُلبي جميع الشروط الأمريكية؟
0 تعليق