26 أبريل 2025, 11:36 صباحاً
في خطوةٍ قد تمهّد الطريق لحلول دبلوماسية طال انتظارها، كشفت القيادة الأوكرانية أخيراً عن مسودة خطة سلام، رداً على خطة سابقة منسوبة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ التي قُوبلت بانتقاداتٍ لتقديمها تنازلات كبيرة لموسكو، وهذه الخطة الأوكرانية الجديدة، التي تشير إلى استعداد كييف للتلميح ببعض التنازلات في قضايا شائكة، تضع في الوقت نفسه شروطاً حاسمة تتعلق بالسيادة والأمن وإعادة الإعمار، مما يرسم معالم معقدة لأي مفاوضات مستقبلية، وتأتي هذه التطورات في خضم تحركات دبلوماسية محتملة، بما في لقاء الرئيسين ترامب؛ وفولوديمير زيلينسكي؛ في روما على هامش جنازة البابا فرنسيس، مع استمرار التصعيد العسكري الروسي الذي خلف عشرات الضحايا في العاصمة كييف ومناطق أخرى هذا الأسبوع.
ويشير تقرير حصلت عليه صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن الخطة لأوكرانية الجديدة تختلف بشكلٍ لافتٍ عن الخطة المنسوبة لترامب؛ التي اعتبرها كثيرون في كييف وحول العالم متساهلة للغاية مع المطالب الروسية على حساب السيادة الأوكرانية. وبينما يتمسك الجانب الأوكراني ببعض مطالبه الأساسية التي لا يرى التفاوض عليها ممكناً، فإن لغة الخطة تفتح الباب أمام تلميحاتٍ تشي بمرونة أكبر في قضايا كانت تعد حتى وقت قريب خطوطاً حمراء غير قابلة للتجاوز.
شروط كييف
تتضمن الخطة الأوكرانية بنوداً رئيسة عدّة لا تهاون فيها من وجهة نظر كييف، أبرزها عدم فرض أي قيودٍ على حجم وقدرات الجيش الأوكراني في المستقبل؛ لضمان قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها، كما تشدّد الخطة على ضرورة نشر "وحدة أمن أوروبية" على الأراضي الأوكرانية، تكون مدعومة بشكلٍ قوي ومباشرٍ من الولايات المتحدة، بهدف توفير ضمانات أمنية راسخة لا يمكن لروسيا تجاوزها مستقبلاً، إضافة إلى ذلك، تطالب الخطة باستخدام الأصول الروسية السيادية المجمّدة حول العالم في تمويل عمليات إعادة إعمار واسعة النطاق في أوكرانيا، تعويضاً عن الدمار الهائل الذي تسبّبت فيه الحرب.
ومن الطبيعي أن تشكّل هذه البنود الثلاثة عقبات كبرى، وربما تكون بمكانة "نقاط بداية مستحيلة" بالنسبة للكرملين، الذي يرفض بشدة أي وجود عسكري غربي مباشر في أوكرانيا، ويدين استخدام أصوله المجمّدة، ومع ذلك، فإن بعض الأجزاء الأخرى من المقترح الأوكراني تفتح نافذة، وإن كانت صغيرة، أمام إمكانية البحث عن أرضية مشتركة يمكن أن يتم عليها التفاوض.
مرونة محتملة
اللافت في المقترح الأوكراني، الذي يمثل تحولاً محتملاً في الموقف الرسمي لكييف، هو غياب الإشارة الصريحة، على سبيل المثال، إلى استعادة أوكرانيا الكاملة الأراضي كافة التي سيطرت عليها روسيا منذ عام 2014، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ودونباس، كما أن الخطة لا تتضمن إصراراً حاسماً وفورياً على انضمام أوكرانيا الكامل إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهاتان القضيتان، وهما استعادة الأراضي والانضمام إلى الناتو، طالما أكد الرئيس فولوديمير زيلينسكي؛ بنفسه أنهما ليستا مطروحتَيْن للتفاوض مع روسيا، مما يجعل غيابهما من نقاط الإصرار في الخطة الجديدة مؤشراً على تفكير أوكراني في مقاربات مختلفة للوصول إلى السلام.
تحركات دبلوماسية
وعقب وصوله إلى روما، سارع ترامب بنشر تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي أكّد فيه أن روسيا وأوكرانيا "قريبتان جداً من اتفاق"، وحثَّ الجانبين على الاجتماع مباشرة "لإنهاء الأمر"، وفي وقتٍ سابقٍ من اليوم نفسه، كان ترامب قد صرّح بأنه من الوارد أن يلتقي الرئيس زيلينسكي؛ على هامش فعّاليات الجنازة في روما.
وأكّد مسؤولٌ أوكراني رفيع، تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع، أن الرئيس زيلينسكي؛ في حال ذهب إلى العاصمة الإيطالية، قد يحاول بالفعل تقديم المقترح المضاد الأوكراني الجديد للسيد ترامب؛ بشكل شخصي.
من جانبه، أدلى الرئيس زيلينسكي؛ بتصريحات مساء الجمعة اتسمت بنبرة متفائلة بشكلٍ غير معهودٍ مقارنة بخطابه المعتاد خلال الأسبوع الماضي، حيث قال: "في الأيام المُقبلة، قد تحدث اجتماعاتٌ مهمة جداً؛ اجتماعاتٌ ينبغي أن تقرّبنا من الصمت لأوكرانيا"، وهذه التصريحات توحي بأن هناك جهوداً دبلوماسية مكثفة تجري خلف الكواليس، وأن كييف ترى فرصة ما للتحرُّك نحو وقف إطلاق النار أو حل سلمي.
وتعكس مسودة الخطة الأوكرانية الجديدة إستراتيجية معقدة تجمع بين التمسك بضمانات أمنية وسيادية أساسية وبين التلميح بمرونة في بعض القضايا الأكثر تعقيداً وعرقلة للمفاوضات، فهل تشكّل هذه الخطة الأوكرانية، بمزيجها من الثبات والمرونة الضمنية، أساساً يمكن البناء عليه لحلٍ ينهي الصراع، أم أنها ستصطدم مجدّداً بجدار العقبات الروسية الكبرى التي تجعل بنودها الرئيسة غير مقبولة في موسكو؟
0 تعليق