كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتتصاعد فصوله في كافة المناطق، بينما لا تتوقف جرائم الاحتلال، في حين يتعمّق العدوان البري على جنوب وشمال القطاع.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان المُستعر، منها مشهد تحت عنوان: "الشجاعية وعبسان.. إخلاء بالنار"، ومشهد آخر يرصد الانهيار المتسارع للأوضاع الصحية في القطاع، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على تفاقم أزمة الهواتف النقالة في القطاع.
إخلاء بالنار
بعد إخلاء مدينة رفح بالكامل، والإعلان عن تحويلها إلى منطقة عازلة، وتنفيذ عمليات تدمير واسعة فيها، نقل الاحتلال ثقل عملياته العسكرية إلى مناطق شرق القطاع، خاصة شرق محافظتي خان يونس وغزة.
وأصدرت قوات الاحتلال، أمس، أوامر إخلاء "مُتكررة"، شملت مناطق سبق وتلقت أوامر نزوح، وتشمل خزاعة وعبسان الجديدة، شرق خان يونس، والشجاعية، والتركمان، والتفاح، شرق مدينة غزة، إذ جدد الاحتلال مطالباته للمواطنين القاطنين في تلك المناطق، بإخلاء بيوتهم، والتوجه إلى غرب مدينة غزة، ومواصي خان يونس.
وبعد أوامر النزوح الأخيرة، باشر الاحتلال بالاتصال على عشرات المواطنين من سكان المناطق التي شملتها أوامر الإخلاء، وطلب منهم مغادرة منازلهم على الفور، تمهيداً لقصفها من الجو، إذ جرى تدمير عدد كبير من المنازل، بعد شن غارات عليها.
وأكد مواطنون أن جيش الاحتلال أصدر أوامر إخلاء للمناطق المذكورة أكثر من 5 مرات، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لكن غالبية المواطنين رفضوا ترك بيوتهم، وقد لجأ الجيش قبل يومين إلى سياسة إجبار المواطنين على الإخلاء بالنار، من خلال تصعيد القصف المدفعي والجوي، والتهديد عبر اتصالات هاتفية.
وقال المواطن محمد النجار، من سكان شرق خان يونس، إنه كان يرفض في البداية النزوح عن بيته، وبقي فيه رغم القصف المدفعي المتواصل، لكن قبل يومين بدأت الأمور تأخذ منحى أكثر خطورة، إذ جرى استهداف البيوت المأهولة بشكل مباشر، مع سيل من اتصالات التحذير والوعيد للسكان، بأن يخلي الجميع بيوتهم فوراً قبل قصفها فوق رؤوسهم.
وأشار النجار إلى أنه لم يجد مفراً من النزوح، رغم أنه كان يرفض هذا الأمر، لكنه بات يشعر بأن البقاء في المنزل يعني الانتحار، وأن جيش الاحتلال عازم على احتلال تلك المناطق، والعمل فيها بقوات برية، كما حدث ويحدث في رفح، لذلك قرر النجاة بعائلته من الموت القادم، على حد وصفه.
بينما قال المواطن هاني عبد الرحيم، إن الاحتلال يحاول من خلال إخلاء مناطق شرق القطاع، التي بدأت بثلاث مناطق هي رفح، وخان يونس، وغزة، تعميق المنطقة العازلة، لتشمل مزيداً من الأراضي، وهذا ينسجم مع تهديدات سابقة أطلقها قادة الاحتلال بضم المزيد من أراضي القطاع لصالح إسرائيل.
وأعرب عبد الرحيم عن خشيته من أن تشمل عمليات الإخلاء المذكورة مزيداً من المناطق وسط القطاع وشماله، لإقامة حزام أمني طولي "منطقة عازلة"، سيمتد أكثر من 1000 متر في عمق القطاع.
انهيار الأوضاع الصحية
شهد القطاع الصحي مزيداً من الانهيار والتدهور في غزة، مع استمرار الحصار، ومنع نقل الأدوية، والوقود، والمُستهلكات الطبية.
وتعاني المشافي، وعيادات الرعاية الأولية، وكذلك الصيدليات، من نقص حاد وغير مسبوق في الأدوية، ما خلق أزمة كبيرة، وشكّل تهديداً لحياة المرضى، خاصة الذين يعانون من الأمراض المزمنة.
وبينت وزارة الصحة في قطاع غزة أن نسبة العجز في الأرصدة الدوائية والمستهلكات الطبية وصلت إلى مستويات خطيرة وغير مسبوقة، وأن 37% من قائمة الأدوية الأساسية و59% من قائمة المستهلكات الطبية رصيدها صفر.
وأكدت الوزارة أن أقسام العمليات، والعناية المُركزة، والطوارئ، تعمل ضمن أرصدة مستنزفة من الأدوية والمواد الطبية المنقذة للحياة.
ووفق معلومات الوزارة في غزة، فإن هناك 80 ألف مريض بالسكري و110 ألف مريض بضغط الدم لا تتوفر لهم أدوية في مراكز الرعاية الأولية، كما أن هناك 54% من أدوية
السرطان وأمراض الدم رصيدها صفر
وذكرت أن إغلاق المعابر أمام الإمدادات الطبية والأدوية يُفاقم الأزمة، ويضيف تحديات كارثية أمام تقديم الرعاية الصحية للمرضى والجرحى.
وفي تشرين الثاني 2024، أصدرت 15 منظمة تابعة للأمم المتحدة ومنظمة إنسانية بياناً مشتركاً بشأن الوضع الصحي، جاء فيه: لقد تم قطع الإمدادات عن المستشفيات بالكامل تقريباً وتعرضت للهجوم، ما أسفر عنه وفاة المرضى، وتدمير المعدات الحيوية، وتعطيل الخدمات المنقذة للحياة، وتم احتجاز العاملين الصحيين والمرضى. كما ورد أن القتال وقع داخل المستشفيات.
بينا قال ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ريك بيبركورن، إن 772 منشأة صحية تعرضت للدمار الكلي أو الجزئي، ما يشكّل 95% من المستشفيات، و91% من المرافق الصحية الخاصة، و88% من المراكز الصحية، إضافة إلى تضرر العديد من الصيدليات والعيادات.
أما شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، فقالت، إن "ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة، بل إبادة جماعية ممنهجة تُنفذ بدم بارد وسط تواطؤ دولي".
وأكدت الشبكة أن 91% من السكان يعيشون في مرحلة الأزمة من انعدام الأمن الغذائي، وهناك 345 ألف شخص وصلوا إلى المرحلة الخامسة من المجاعة – الكارثة، بينما هناك 92% من الأطفال يُعانون من الجوع ونقص الغذاء، وأكثر من 60 ألف طفل يحتاجون للعلاج من سوء التغذية.
أزمة الهواتف النقالة
تفاقمت أزمة الهواتف النقالة بصورة كبيرة في قطاع غزة، مع استمرار منع الاحتلال إدخالها للقطاع، وكذلك منع وصول قطع الخيار والملحقات الخاصة بها.
فقد شهدت الفترات الماضية تعطل عشرات الآلاف من الهواتف في أيدي المواطنين، لا سيما مع استخدام طرق شحن غير سليمة، بسبب أزمة الكهرباء المُتفاقمة، دون أن يتمكن مُلاكها من استخدامها، حيث انخفض عدد الهواتف الصالحة للعمل بشكل كبير.
ووفق مواطنين فإن أزمة الهواتف النقالة، وصعوبة إصلاحها باتت واحدة من أعقد المشكلات التي تواجه المواطنين، وتحدّ من قدرتهم على التواصل مع محيطهم، ومتابعة الأخبار.
وقال المواطن محمود الكرد، إنه قبل العدوان كان في منزله 5 هواتف نقالة، حيث يمتلك هو هاتفا، وزوجته هاتفا، وأبناؤه الثلاثة كل منهم لديه هاتف خاص به، لكن طول الأزمة، واستخدام مولدات الكهرباء والخلايا الشمسية، كمصدر للطاقة في عمليات الشحن، تسببا في تعطل 3 هواتف منها، استطاعوا بصعوبة إصلاح واحد، وبقي اثنان بحاجة لقطع غيار غير متوفرة في قطاع غزة في الوقت الحالي.
وأشار إلى أنه حاول شراء هواتف جديدة، لكنه لم يجد، وفي حال توفرت تكون أسعارها باهظة جداً، وما زالت العائلة تعتمد على 3 هواتف، وهي في وضع مُتراجع، ويخشى أن يفقد المزيد منها في المستقبل القريب.
بينما قال المواطن باسم موسى، إن هناك مشكلة أعقد متعلقة بالهواتف النقالة، تتمثل في ملحقاتها، خاصة الشواحن، والسماعات، فتعطل الشاحن غالباً ما يكون سريعاً، ففي السابق كان يحتاج إلى شاحن كل شهرين إلى 3 أشهر، لكن بسبب منع توريدها يتعذر شراء شواحن جديدة.
ونوه موسى إلى أنه يتواجد في منزلهم 4 هواتف نقالة، تعمل كلها على شاحنين، أحدهما على وشك التعطل، ما يضطره إلى إرسال الهواتف لنقطة شحن، تقوم بشحن الهاتف بثمن مضاعف لاستخدامه شاحناً يمتلكه صاحب النقطة.
وأشار إلى أن استخدام طرق الشحن غير الآمنة، والكهرباء المُتذبذبة، تسبب في تعطل معظم شواحن المواطنين، وهذا عمّق الأزمة، كما أن عدم توفر سماعات الأذن، يحول دون سماع المذياع، الملحق ببرامج الهاتف، حيث يحتاج إلى سماعة حتى يتم تشغيله.
ولفت إلى أنه في حال لم يتم إدخال الهواتف وملحقاتها في القريب العاجل، سيفقد المواطنون هواتفهم، جراء تعطلها، ولن يستطيع معظمهم إعادة شحنها.
0 تعليق