برسوم أو بدون.. حان وقت تصحيح الدولار - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

ستيفن جين *

يبدو أن الدولار مُستعدٌّ لخوض تصحيح طويل الأمد مقابل مجموعة واسعة من العملات، حتى في غياب حرب تجارية، إذ يصطدم تقييمه المرتفع في وول ستريت بواقع السوق.
وبعد فرض رسوم جمركية واسعة النطاق في «يوم التحرير» الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب في الثاني من إبريل/نيسان، شهدت أسواق الأسهم العالمية تصحيحاً عنيفاً، سبقه تراجع للدولار، ما قوّض الفكرة المُجمع عليها بأن الرسوم الجمركية تُعادل قوة الدولار.
وأثارت هذه الحادثة تساؤلات حول ما إذا كانت «ابتسامة الدولار» قد توقفت عن العمل، إذ تُشير هذه القاعدة العامة إلى أن سيناريو تجنب المخاطرة من شأنه أن يقود إلى دولار أقوى. لكنني لا أعتقد أن الابتسامة قد ولّت، فما يحدث هو اقتراب سعر المقاصة المرتفع للدولار في أسواق الأصول أخيراً من قيمته الحقيقية في سوق السلع.
ورغم أن العولمة التجارية غذّت بقية العالم على مدار ربع قرن مضى، فإن العالم الحالي متعدد الأقطاب لم يترافق مع آخر مالي متعدد الأقطاب أيضاً، والنتيجة: استمرار هيمنة الدولار وأصوله.
ووجود عالم مالي أحادي القطب يعني بالضرورة وجود طلب أجنبي هائل على أصول الدولار لا يتناسب مع الحجم النسبي للاقتصاد الأمريكي. وقد أدى ذلك على ما يبدو إلى المبالغة في تقييم الدولار، وعجز خارجي متزايد للولايات المتحدة، وقطاع تصنيع غير تنافسي. حيث ساهمت تكلفة العمالة في قطاع التصنيع بإبعاد الولايات المتحدة عن الأسواق العالمية.
لقد كان مؤشر الدولار مكلفاً للغاية، بنسبة 19% تقريباً في نهاية عام 2024، وفقاً لبيانات «رويترز»، باستخدام متوسط تقييم 34 عملة. وهذه هي الحلقة الثالثة من تجاوز قيمة الدولار خلال الأربعين عاماً الماضية، بعد حلقتي منتصف الثمانينيات وحوالي عام 2000.
وعلى الرغم من أن حجم تجاوز قيمة الدولار الحالي أقل حدة بقليل مما شهدناه في عام 1985، عشية اتفاقية بلازا المشتركة، فإن الحلقة الحالية تُعد الأطول. ووفقاً لحساباتنا، ظل الدولار مبالغاً في قيمته لمدة 10 سنوات، أي ما يقرب من ضعف مدة الحلقتين السابقتين.
وبُرّر جزء كبير من ارتفاع قيمة الدولار في السنوات الأخيرة بسردية «الاستثنائية الأمريكية»، وهي فكرة مفادها أن الشركات الأمريكية كانت ببساطة أكثر إنتاجية وربحية وديناميكية من بقية العالم. لكن يبدو أن هذه القصة كانت حقيقية في جزء منها وسراباً في جزء آخر.
فالاقتصاد الأمريكي يتمتع بميزة في نمو الإنتاجية مقارنةً بالاقتصادات الكبرى الأخرى في السنوات الأخيرة، حيث بلغ متوسط معدل نمو إنتاجية العمل السنوي في العقد الماضي حوالي 1.4%، مقارنةً ب 0.5% في أوروبا. ومع ذلك، قد تكون هذه المقاييس مضللة. أولاً، من شبه المؤكد أن قطاع التكنولوجيا قد عززها، ولا توجد أدلة تُذكر على أن قطاعات التصنيع والخدمات التقليدية في الولايات المتحدة، مثل الرعاية الصحية أو التعليم، أكثر إنتاجية من نظيراتها في الخارج.
والأهم من ذلك، أن التحفيز المالي الضخم - وغير المستدام - الذي تراوح بين 6.5% و7% من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة قد أضعف العديد من التدابير الاقتصادية الكلية التي ساهمت في ترسيخ مفهوم «الاستثناء الأمريكي».
ويعدّ ارتفاع قيمة الدولار هشاً أيضاً، لأنه معرضٌ بشدة لخطر التوقف المفاجئ في تدفقات رأس المال الأجنبي، نظراً لصافي ديون الولايات المتحدة الخارجية الضخمة. ففي عام 1980، كان صافي ديون الولايات المتحدة الخارجية يُساوي نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد ارتفع الآن إلى 85% من الناتج. كما أن الحرب التجارية لم تنتهِ بعد، وكلما طال أمدها، ازداد الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لتقديم حوافز نقدية، في حين ستتعرض معظم دول العالم الأخرى لضغوط لتقديم حوافز مالية. قد يُعزز ضعف الدولار الناتج عن ذلك عودة رؤوس الأموال قصيرة الأجل إلى دول ذات فائض مالي، بما في ذلك الصين وبريطانيا وإيرلندا وألمانيا وفرنسا، التي تمتلك رؤوس أموال ضخمة قصيرة الأجل يمكن إعادتها بسهولة. وفي المجمل، تمتلك هذه الدول الأوروبية الأربعة أكثر من 8 تريليونات دولار من الأسهم والسندات الأمريكية.
في غضون ذلك، هناك سعران ظليان على الأقل لأي سعر صرف عملة: أحدهما يعكس أسواق رأس المال، والآخر يعكس الأسس الاقتصادية الحقيقية. وفي معظم الدول، وفي معظم الأوقات، تتتبع أسعار الظل هذه بعضها البعض. ولكن في الولايات المتحدة، كان السعر الأول أعلى بكثير من الثاني لسنوات، الأمر الذي خلق بيئة غير مستدامة وضعيفة للدولار المرتفع.
بالنظر إلى أهداف الإدارة المعلنة المتمثلة في إعادة الصناعات التحويلية إلى الولايات المتحدة، وخفض العجز للبلاد، من غير المنطقي أن نتوقع ارتفاع قيمة الدولار استجابةً للحرب التجارية، بغض النظر عن نتائج الرسوم الجمركية. بل على العكس، من المرجح أن يجري التركيز على توجيه الدولار نحو الانخفاض لمنح المصنّعين الأمريكيين فرصة للمنافسة في أسواق عالمية شديدة التنافسية.

*الرئيس والمدير التنفيذي المشارك لتكنولوجيا المعلومات في شركة «يورايزن إس إل جيه» لإدارة الأصول

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق