كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مع اشتداد الحصار، وزيادة المعاناة والجوع والمرض، واستمرار حصار وعزل مدينة رفح عن محيطها.
"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من العدوان والمعاناة، منها مشهد يُسلط الضوء على فقد الاتصال بعشرات العائلات المحاصرة في رفح، ومشهد آخر جاء تحت عنوان "الأسماك صيد خطير وأسعار عالية"، ومشهد ثالث يوثق أزمة السيولة النقدية المتفاقمة في القطاع.
فقدان عشرات العائلات في رفح
لا تزال عشرات العائلات محاصرة في محافظة رفح، منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير، وسط أوضاع مأساوية، ونقص شديد في كافة المستلزمات، وقصف لا يتوقف.
وغالبية العائلات تعيش في منازلها محاصرة من جميع الجهات، وأفرادها غير قادرين على مغادرة منازلهم، بسبب القصف المدفعي، وإطباق الطائرات المُسيرة على المحافظة، وإطلاق النار تجاه كل هدف مُتحرك فيها.
ورغم الوضع البائس الذي تعيشه العائلات المحاصرة في رفح، وعدم قدرتها على التحرك، ونقص الماء والطعام، إلا أن الاحتلال يقصف المنازل التي تؤوي هذه العائلات، ويدمرها على رؤوس ساكنيها.
وأُفيد، مؤخراً، بقصف مربع سكني كبير في منطقة خربة العدس، بعد أن شنت طائرات الاحتلال حزاما ناريا عنيفا باتجاه المربع المذكور، والذي يتواجد فيه عدد من العائلات المحاصرة، من عائلتي "قشطة" و"شلوف"، دون أن يُعرف مصيرهم، حيث فُقد الاتصال بهم تماماً.
وواصل مواطنون إرسال مناشدات من أجل مساعدة أقاربهم على الخروج من رفح، ومن بينهم عائلة المواطن فوزي شتات، والمحاصر في منزله في الحي السعودي 3 غرب رفح، إضافة لمناشدات لمساعدة عدة عائلات تتواجد في منزل مواطن من عائلة المغير، وهي محاصرة منذ أكثر من 3 أسابيع في نفس المنطقة، ولا أحد يعلم عن مصيرهم شيئا.
ويقول المواطن محمد شلوف، إن الكثير من العائلات ومن بينهم أقاربه لم يتمكنوا من الخروج من رفح، إما بسبب قصر مهلة الإخلاء، أو لعدم امتلاكهم وسيلة مواصلات، أو لأنهم اعتقدوا أن الدبابات لن تصل إليهم، كما حدث في العملية السابقة في رفح، حيث لم تصل قوات الاحتلال لمناطق شمال رفح، وبناء على ذلك بقيت هذه العائلات في منازلها.
وأكد شلوف أن العائلات حوصرت في منازلها، ومعظمهم لا يوجد اتصال معهم، ولا يُعرف مصيرهم، وغالبية الظن أنهم إما استشهدوا أو جرى اعتقالهم من قبل الاحتلال.
وناشد شلوف وغيره من المواطنين الجهات الدولية، خاصة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتدخل ومساعدة العائلات المحاصرة على النزوح من رفح، من خلال فتح ممر آمن لهم.
وكان الاحتلال أصدر أوامر نزوح شملت جميع أنحاء مدينة رفح، وبعد يوم واحد توغلت دباباته في عمق المدينة حتى شمالها، وحاصرت جميع الأحياء، وعزلت رفح عن محيطها بشكل كامل.
الأسماك.. صيد خطير وأسعار عالية
يعاني سكان القطاع شحاً كبيراً في السلع الغذائية الأساسية، بما يشمل قائمة طويلة، منها الدواجن، اللحوم، البيض، ومنتجات الألبان، وغيرها من السلع، التي لا يزال الاحتلال يمنع وصولها للقطاع.
وفوق هذا المنع والحصار، يواصل الاحتلال فرض طوق أمني شامل على بحر القطاع، ويمنع المراكب من دخول البحر بهدف الصيد، ما حرم السكان من الأسماك البحرية، رغم انهم يتواجدون على شاطئ البحر.
لكن حاجة السكان للأسماك، وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق، دفعا بعض الصيادين الفقراء للمغامرة بحياتهم، ودخول البحر، بهدف الصيد ولو كميات بسيطة.
ووفق متابعات "الأيام"، فإن زوارق الاحتلال تلاحق الصيادين على الشاطئ بشكل يومي، وتطلق النار تجاه مراكبهم، وحتى يتم قصف واستهداف المراكب وهي متوقفة على رمال الشاطئ، لمنع دخولها البحر.
ويقول الصياد أحمد حسونة، إنهم يواجهون مخاطر كبيرة بشكل يومي، وشبح الموت يلاحقهم في كل رحلة صيد، منذ لحظة دخولهم البحر وحتى المغادرة، فلا يضمن أحدهم أن يعود لعائلته سالماً، إذ يتم استهدافهم سواء أثناء وضع الشباك أو سحبها، موضحاً أن زوارق الاحتلال تطلق النار والصواريخ تجاههم بشكل يومي وكلما حاولوا دخول البحر، رغم أن قواربهم تبحر على مسافات قصيرة من الشاطئ.
وأكد أن الاحتلال يواصل إحراق مراكبهم، موضحاً انه وفي الكثير من الليالي، وبينما المراكب متوقفة على الشاطئ، تُلقي الطائرات المُسيرة شعلات نارية على المراكب ما يؤدى إلى اشتعالها وإحراقها بشكل كلي.
ومنذ بدء الحرب على غزة، دمر الاحتلال وأحرق أكثر من 80% من مراكب الصيادين الموضوعة على شواطئ قطاع غزة.
أما المواطنون الباحثون عن الأسماك، فقد اشتكوا من ارتفاع أسعارها وندرتها، إذ يقول المواطن خالد عطا، إن أحد أصدقائه اتصل به عبر الهاتف وأبلغه بتوفر أسماك السردين في الجزء الجنوبي من شاطئ خان يونس، بعد نجاح بعض الصيادين بإخراج كمية منها، وهي فرصة نادراً ما تتكرر، وحين توجه إلى المنطقة المقصودة، فوجئ أن ثمن الكيلوغرام الواحد 80 شيكلا، في حين كان سعره قبل الحرب ما بين 10-15 شيكلا.
وأكد عطا أنه من الأمور المحزنة أن قطاع غزة يقع على شاطئ طوله 42 كيلومتراً، وسكانه يشتهون الأسماك منذ نحو العام ونصف العام، بسبب منع الاحتلال الصيد.
أزمة السيولة تتفاقم من جديد
عادت أزمة السيولة وتفاقمت من جديد في قطاع غزة مع استمرار إغلاق المعابر الحدودية، ومنع تدفق السلع، ما أدى إلى وقف البيع عبر نظام الدفع المالي الإلكتروني.
وباتت السيولة المتوفرة في القطاع شحيحة، والعملات خاصة الورقية تتلف وتهترئ نتيجة كثرة التعاملات، لا سيما فئة الـ20 شيكلا، بينما يعجز المودعون عن سحب ملايين الشواكل من حساباتهم البنكية، ويلجؤون مكرهين لما بات يُعرف "سماسرة التكييش"، للحصول على السيولة مقابل عمولات عالية تجاوزت حالياً 35%.
وقال البائع إبراهيم عبد الواحد، إن أزمة السيولة النقدية تراجعت قليلاً بعد فتح المعابر ودخول السلع للأسواق، حيث دفع الركود وقتها الباعة لقبول البيع مقابل التعاملات المالية الإلكترونية أو ما يعرف بـ"التطبيق"، ما أدى إلى انخفاض عمولات السحب، التي وصلت على 20%، وتحسنت الحركة التجارية، لكن ومنذ تجدد العدوان، وتشديد الحصار، وشح البضائع، بات جميع التجار يحرصون على جمع السيولة، وتوقفوا عن البيع الإلكتروني، وزادت نسب سحب السيولة، وتفاقمت الأزمة بشكل كبير.
وأوضح عبد الواحد أن تفاقم أزمة السيولة أدى إلى زيادة الضغط على المواطنين، وبات البحث عن "الكاش"، هدف الجميع.
في حين أكد باعة وتجار أن ملايين الشواكل تختفي من السوق، بسبب تمزقها، أو تلفها، أو وقف التعامل بها، ما يُجبر حامليها على تخزينها بعد عجزهم عن تصريفها، وهذا أمر كارثي، حيث قال البائع ماجد عمر، إن السلوكيات التجارية السيئة تسببت بتفاقم الأزمة، عبر إخراج عملتي 10 شواكل ونصف الشيكل من قائمة التداول، ورفض أخذ أي عملة بها تلف ولو صغيرا، فبدلا من البحث عن طرق تُخفف الأزمة، تتم زيادتها، والتضييق أكثر على المواطنين.
وأكد خبراء اقتصاديون أن الأزمة الحالية تفاقمت نتيجة القيود المفروضة على دخول الأموال، بالإضافة إلى تهالك النقد المتواجد في القطاع، وخروج بعض العملات من قائمة التداول، ما أدى إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين وانكماش النشاط الاقتصادي بشكل واضح.
بينما طالب مواطنون وتجار بضرورة إيجاد حلول عاجلة، سواء عبر تسهيل تدفق الأموال إلى القطاع، أو إيجاد آليات لدعم السيولة النقدية، لتخفيف الضغط عن السكان، خاصة مع عودة العدوان الإسرائيلي على القطاع.
0 تعليق