خان يونس - رويترز: تقول الحكومة الأميركية إن الذخائر غير المنفجرة تنتشر في كل مكان بقطاع غزة، نتيجة عشرات الآلاف من الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل، ما يجعل القطاع "غير صالح للسكن". ولا تخطئ العين مدى ضخامة التحدي المتعلق بإزالة هذه المخلفات القاتلة.
تجدد القصف الإسرائيلي في آذار الماضي بعد انهيار وقف إطلاق نار أُبرم في كانون الثاني، في هجوم قالت الأمم المتحدة إنه أدى إلى السيطرة على أو إخلاء ثلثي القطاع. ويتواصل سقوط المزيد من القنابل يومياً.
وبحلول تشرين الأول 2024، قال الجيش الإسرائيلي إنه نفذ أكثر من 40 ألف غارة جوية على القطاع. وتشير تقديرات دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام إلى أن قنبلة من بين كل 10 قنابل، وقنبلة من بين كل 20 أُطلقت على غزة لم تنفجر.
ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تتناثر هذه المقذوفات بين أكثر من 50 مليون طن من الأنقاض التي تنتشر في أنحاء القطاع الصغير المكتظ بالسكان.
بدأت بسرعة جهود سكان غزة لإزالة الأنقاض. فبعد أسبوع من سريان وقف إطلاق النار في كانون الثاني وقرب مدينة خان يونس كان سائق جرافة يدعى علاء أبو جميزة يرفع الركام من شارع قريب من مكان يلعب فيه سعيد عبد الغفور (15 عاماً). اصطدمت شفرة الجرافة بقنبلة لم تكن ظاهرة.
وقال الفتى "كنا نلعب، مش شايفين أي شيء. آمنة المنطقة، مفيش أي شيء، إلا ما شوفنا الانفجار. مشوفناش ولا أي شيء. صار فينا زي هبو مسكنا، نار".
وأضاف أنه فقد إحدى عينيه. كما فقد السائق أبو جميزة إحدى عينيه وأصيب بحروق وشظايا في يديه وساقيه.
ووفقاً لقاعدة بيانات جمعتها مجموعة من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في غزة، فمنذ بدأت الحرب في السابع من تشرين الأول 2023 قتل ما لا يقل عن 23 شخصاً وأصيب 162 آخرون بسبب الذخائر غير المنفجرة، أو التي لم يتم التعامل معها بالحذر المطلوب، وهو تقدير يقول عمال الإغاثة إنه ليس سوى جزء يسير من الإجمالي لأن عدداً قليلاً من الضحايا هم من يعرفون كيفية الإبلاغ عمّا حدث لهم.
لكن تسعة مسؤولين في مجال المساعدات قالوا إن الجهود الدولية الرامية إلى تفكيك القنابل خلال فترات توقف القتال أعاقتها إسرائيل، التي تفرض قيوداً على الواردات إلى القطاع من البضائع التي قد يكون لها استخدام عسكري.
وأظهرت وثيقة أعدتها منظمتان تعملان في إزالة الألغام أن السلطات الإسرائيلية رفضت طلبات لاستيراد أكثر من 20 نوعاً من معدات إزالة الألغام في الفترة من آذار إلى تموز من العام الماضي، وهو ما يمثل ما مجموعه أكثر من 2000 سلعة، بدءاً من المناظير والمركبات المدرعة إلى الأسلاك المستخدمة في عمليات التفجير.
وقال جيريمي لورانس المتحدث باسم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان "عملية إزالة الألغام لم تبدأ بعد بسبب القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على منظمات مكافحة الألغام فيما يتعلق بدخول المعدات اللازمة". وأضاف أن هذا الأمر يفرض "تحديات خطيرة يمكن تفاديها" على العاملين في مجال المساعدات الإنسانية.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر إن إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، ملزمة بإزالة مخلفات الحرب التي تعرّض حياة المدنيين للخطر أو بالمساعدة في إزالتها بموجب اتفاقية لاهاي لعام 1907.
وذكرت كوردولا درويجه كبيرة المسؤولين القانونيين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هذا الالتزام تقر به إسرائيل بموجب القانون الدولي العرفي، حتى وإن لم تكن من الدول الموقعة عليه.
ورفض الجيش الإسرائيلي الإجابة عن أسئلة حول الذخائر التي استخدمها في غزة، ولم يرد على طلب للتعليق على حجم الذخائر المتبقية.
ولم ترد وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات، على طلبات للتعليق على دورها في جهود إزالة الألغام.
وقال برايان هيوز المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي "أكدنا مراراً أن قطاع غزة غير صالح للسكن، وأن إجبار سكانه على العيش بين الذخائر التي لم تنفجر أمر غير إنساني".
وأضاف "قدم الرئيس ترامب رؤية إنسانية لإعادة إعمار غزة ونواصل المناقشات مع الشركاء في المنطقة بشأن الخطوات التالية"، دون الإجابة عن أسئلة حول الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة أو خططها لإزالة الألغام من القطاع.
وذكر سبعة خبراء أسلحة شاركوا في مناقشات بتنسيق من الأمم المتحدة حول جهود إزالة الألغام، أنه من السابق لأوانه تقدير عدد الذخائر التي لم تنفجر في غزة لعدم وجود أي مسح. وطلب معظمهم عدم الكشف عن هويتهم وذكروا أن التحدث علناً عن التلوث بالأسلحة أو تحديات إزالة الألغام قد يؤثر على فرص عملهم في غزة.
وبينت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، التي تعمل على إزالة بقايا المتفجرات وتوعية السكان ومساعدة الضحايا، أن فرقها لتفكيك الألغام رصدت مئات القطع من الذخائر الحربية فوق الأرض، بما في ذلك قنابل الطائرات وقذائف الهاون والصواريخ والعبوات الناسفة بدائية الصنع.
وتتوقع الدائرة أن يكون هناك مزيد من هذه القنابل إما بين الأنقاض وإما مدفونة تحت الأرض "على عمق كبير".
وأفاد تقرير للأمم المتحدة بالعثور على قنبلتين في محطة كهرباء النصيرات بقطاع غزة. وقال جاري تومز خبير تفكيك الذخائر في منظمة (هيومانيتي اند إنكلوجن) للإغاثة إنه رأى بقايا قنابل تستخدم كدعامات في خيام النازحين. ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة هذه التقارير.
وفي آذار، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، التي قدمت أيضاً خطة لإعادة إعمار غزة، أن إزالة الذخائر التي لم تنفجر ستكون أولوية خلال الأشهر الستة الأولى من هذا المشروع. وستستمر إزالة الأنقاض لمدة عامين آخرين. ولم يرد مسؤول في وزارة الخارجية على طلب للحصول على تفاصيل إضافية.
وحتى إذا تعاونت إسرائيل دون تحفظ، فإن مجموعة من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية تسمى "مجموعة الحماية" قدرت في وثيقة منشورة في كانون الأول أن إزالة القنابل قد تستغرق عشر سنوات، وتحتاج إلى 500 مليون دولار.
يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه بغض النظر عن انفجار الذخائر أو عدم انفجارها، فإن الأنقاض تحتوي على عناصر مثل الأسبستوس والمواد الملوثة، بينما تقول وزارة الصحة إن هناك الآلاف من الجثث تحت الركام أيضا.
وقال جريج كراوذر مدير البرامج في المجموعة الاستشارية للألغام (ماينز أدفايزوري جروب) "يشبه الدمار في غزة زلزالاً هائلاً وفي وسطه بضعة آلاف من القنابل، ما يجعل الأمر أصعب". و(ماينز أدفايزوري جروب) هي منظمة إنسانية وحقوقية عالمية تعمل على العثور على القنابل التي لم تنفجر وإزالتها وتدميرها بعد الصراعات.
0 تعليق