الرياض لم تعد تكتفي بدور الحليف الذي يُستدعى عند الحاجة، بل باتت طرفاً مبادراً، يملك أوراقاً اقتصادية وجيوسياسية يطرحها بثقة على طاولة التفاوض. التحول اللافت في المزاج الأمريكي تجاه المملكة -بعد سنوات من الفتور والريبة- يعود إلى إدراك متبادل بأن العالم يتغير بسرعة، وأن الحفاظ على الشراكة يتطلب آليات جديدة، تتجاوز الشعارات والتحالفات الرمزية.
ترمب لا يأتي فقط كرئيس، بل كرجل أعمال يفكر بمنطق الصفقات، وهذا ينسجم تماماً مع الرؤية السعودية الجديدة التي تُعلي من شأن الاستثمار والتنمية كأدوات نفوذ. من النووي المدني، إلى إعادة هندسة الترتيبات الأمنية الإقليمية، إلى فتح قنوات التجارة والتكنولوجيا مع وادي السيليكون، نحن أمام نموذج شراكة تتجاوز النفط والسلاح، نحو مشاريع تُبنى على الأرض، لا في ممرات البيروقراطية.
الملف النووي لم يعد خطاً أحمر في واشنطن، بل موضوعٌ للنقاش المشروط، خاصة بعد أن أعلنت المملكة امتلاكها موارد طبيعية تسند أي مشروع مدني جاد. هذا وحده يضع السعودية في مرتبة جديدة ضمن نادي القوى الصاعدة، ويجبر واشنطن على التفاوض، لا الإملاء.
لكن أبعد من الاقتصاد والتقنية، الرسالة السياسية الأهم لهذه القمة تكمن في إعادة تموضع السعودية كلاعب إقليمي مستقل، لا تابع، يدير علاقاته مع القوى الكبرى وفق أولوياته، لا عبر وسطاء أو معادلات موروثة. فالرياض اليوم تُفاوض طهران، وتستثمر في آسيا، وتبني تحالفات أمنية برؤية أكثر اتساعاً من ثنائية الشرق والغرب.
ترمب يدرك أن شراكته مع السعودية قد تمنحه مكاسب داخلية وخارجية تعزّز موقعه في مواجهة خصومه في الداخل الأمريكي. والسعودية تدرك أن التعامل مع واشنطن الجديدة يتطلب براعة إستراتيجية، لا عاطفة تاريخية. ومن هنا، تنبع أهمية القمة: تثبيت نموذج تحالف قائم على تبادل المنافع، وإعادة ضبط الإيقاع في علاقات بدت لوهلة وكأنها تسير نحو التآكل.
في المحصلة، ليست القمة اختبار نوايا، بل تدشين معادلة واضحة: من يملك الرؤية والموارد، لا ينتظر، بل يصنع موقعه في العالم الجديد. السعودية، بما تطرحه من مشاريع وسياسات، تقول إنها أهل لهذا الدور بتوليفه بين الاقتصاد السياسي وسياسات الاقتصاد..
وعلى العالم ان يتفرج...
أخبار ذات صلة
0 تعليق