كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" نقل مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول 2023، ورصدت أبرز القصص التي تُوثق المعاناة الإنسانية، وتظهر مآسي المواطنين، ومعاناتهم المتفاقمة، خاصة في ظل استمرار الهجمات، وتشديد الحصار، وتصاعد المجازر، وعزل مناطق واسعة من القطاع عن محيطها.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد بعنوان: "ليلة قاسية"، ومشهد يرصد تحول شمال قطاع غزة إلى مناطق خالية من الخدمات الصحية، بسبب تدمير المستشفى العربي المعمداني، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان: "رفح من مدينة صاخبة إلى منطقة عازلة".
ليلة قاسية
عاش سكان قطاع غزة واحدة من أصعب وأقسى الليالي منذ الثامن عشر من آذار الماضي، تخللتها عشرات الغارات، وعمليات قصف مدفعي لم تتوقف، طالت معظم المناطق.
ولوحظ تصعيد الاحتلال عدوانه بشكل واضح منذ الساعات الأولى من الليلة قبل الماضية، مع التركيز على مناطق جنوب ووسط وشمال قطاع غزة. واستهدفت طائرات الاحتلال منازل، وخياماً، ومدرسة، ومستشفى، ومركبات، ومارّة، في أكبر موجة من الغارات منذ حوالى الشهر.
وقال المواطن عبد الله سلمان، الذي يقطن في منطقة المواصي غرب خان يونس، إنه وغالبية المواطنين لم يغمض لهم جفن طوال الليل، جراء الغارات التي لم تتوقف، والهجمات العنيفة، والتي صاحبتها أصوات تحليق مُكثف للطائرات في الأجواء، سواء الحربية، أو الاستطلاعية.
وأكد سلمان أن مدينة خان يونس، كانت تشهد انفجاراً واحداً على الأقل بمعدل مرة كل 5 دقائق، وأغلب الانفجارات كانت ناجمة عن غارات جوية من طائرات حربية.
وأشار إلى أن هذه الغارات خلفت حالة من القلق والخوف، وجعلت الجميع يجلسون في خيامهم قلقين، يترقبون مصيرهم، ويرددون نطق الشهادتين مرات ومرات.
في حين قال المواطن رامي عاشور، إن الوضع منذ تجدد العدوان قبل نحو 25 يوماً، كان صعباً، لكن الليلة قبل الماضية لم يكن لها مثيل، فالاحتلال بدأها بأوامر نزوح شملت نصف مخيم النصيرات، ووسط وجنوب وشرق خان يونس، ثم شن موجات من الغارات العنيفة، لم تستثنِ منطقة في القطاع.
وبيّن عاشور أن الاحتلال تعمّد جعل هذه الليلة من أكثر الليالي دموية، فقتل وجرح خلالها العشرات، ونوّع أهدافه لتشمل كل شيء، وجميع الأهداف التي جرى قصفها هي أهداف مدنية بحتة، وهذا يكشف زيف الاحتلال، بأنه يستهدف مقار للمقاومة.
وأوضح أن ما يحدث في غزة أكبر من جريمة، وهو إبادة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والناس لم يعودوا يحتملون كل هذه الأهوال، والموت يُلاحقهم أينما ذهبوا، والجميع يفتقدون الحد الأدنى من الأمن، عدا حالة الجوع، وغياب المأوى.
وذكر أن أكثر ما يلفت انتباهه أن تصعيد الغارات والعدوان أصبح يتزامن مع جولات المفاوضات، حتى كره الناس كلمة "تفاوض"، وودوا لو توقفت هذه المهزلة التي تتسبب بحصاد الكثير من أرواحهم.
شمال القطاع بلا خدمات صحية
أصبحت مناطق شمال قطاع غزة، التي تشمل محافظة غزة بالكامل، ومحافظة شمال القطاع، بلا مستشفيات، أو خدمات صحية، بعد الاستهداف المباشر والمقصود، للمستشفى العربي المعمداني وسط مدينة غزة، وهو آخر منشأة صحية ما زالت تعمل في تلك المنطقة.
وفي عدوان مقصود، أصدر جيش الاحتلال في ساعة مبكرة من فجر أمس، أوامر إخلاء للمستشفى المعمداني، الذي يُعالج فيه مئات الجرحى والمرضى، ما تسبب بإجبارهم على مغادرة المستشفى، قبل أن يتم قصفه.
وشوهد المرضى والجرحى يتواجدون في الشوارع المجاورة لمباني المستشفى، في جنح الظلام، وفي وضع صعب، بينما تعرضت مبانٍ كثيرة في المستشفى للتدمير، بعد استهدافه بصاروخين.
وأكدت مصادر في المستشفى أن الدمار طال عدة مبانٍ، وتسبب بخروج العديد من الأقسام عن الخدمة، خاصة قسم الاستقبال والطوارئ، وهذا أمر كارثي، حيث باتت جميع مناطق شمال قطاع غزة بلا خدمات صحية مطلقاً.
وأشارت وزارة الصحة في غزة، إلى أن القصف استهدف مبنى داخل حرم المستشفى ما تسبب بتدميره بالكامل، ما أدى إلى إخلاء قسري للمرضى والعاملين داخل المستشفى.
وطالبت الوزارة المؤسسات الدولية والجهات المعنية، بضرورة حماية القطاع الصحي في غزة بما كفلته القوانين والاتفاقيات الدولية والإنسانية، والعمل الفوري على وقف الانتهاكات المُستمرة بحق قطاع غزة، وعلى رأسها المرضى والقطاع الصحي.
في حين، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أنه وباستهداف المستشفى المعمداني، وصل عدد المستشفيات التي استهدفها الاحتلال بالقصف، أو الحرق، أو التدمير، أو أخرجها عن الخدمة خلال جريمة الإبادة الجماعية على قطاع غزة إلى 38 مستشفى، وما زالت الجرائم مستمرة.
ولفت المكتب الإعلامي إلى أن المستشفى المعمداني، الذي يضم العديد من الأقسام المتخصصة، كان يُقدم العلاج والمتابعة الصحية لمئات المرضى والجرحى والطواقم الطبية والمرافقين لحظة الاستهداف، ويُقدّم خدماته الصحية لأكثر من مليون مواطن في محافظتي غزة وشمال غزة، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية بفعل الإبادة الجماعية والحصار والقصف المتواصل.
رفح تتحول لمنطقة عازلة
ما زال جيش الاحتلال يُحكم سيطرته على محافظة رفح بشكل كامل، بعد احتلالها، وطرد جميع سكانها منها، والإعلان رسمياً عن ضمها بالكامل للمنطقة العازلة.
فصباح الأول من شهر نيسان الجاري، بدأت قوات الاحتلال بالتحرك نحو رفح من عدة محاور، وسيطرت الدبابات والمُسيّرات على جميع أحياء المدينة، وبدأت بإقامة محور فصل جديد يُسمى "موراج"، يفصل المدينة عن جارتها خان يونس، ويعزل رفح عن كامل قطاع غزة.
وأعلن جيش الاحتلال أنه بدأ بتحويل كامل مدينة رفح إلى منطقة عازلة، تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ويمنع السكان من العودة إليها.
من جهتها، أكدت مصادر أمنية إسرائيلية أن المنطقة العازلة في رفح ستتكون بمساحة 75 كيلومتراً مربعاً، وتقع بين محور "فيلادلفيا" جنوباً وممر "موراج" شمالاً، وتشمل مدينة رفح والأحياء المجاورة لها، حيث بدأ الجيش بهدم جميع المباني فيها.
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصادر أمنية أن المنطقة أصبحت "شبه مهجورة" في الأسابيع الأخيرة، بعد الدمار الواسع الذي ألحقه بها الجيش، الذي طالب من تبقّى فيها من السكان بالمغادرة.
ونبَّهت الصحيفة إلى أن توسيع المنطقة العازلة إلى هذا الحد ينطوي على "تداعيات بالغة"، وقالت، "ليس فقط لأنه يضم مساحة واسعة من القطاع، ولكن لأنه سيحوّل غزة فعلياً إلى جيب داخل أراضٍ محتلة، ويعزله عن الحدود المصرية".
ونقلت "هآرتس" عن مصادر دفاعية قولها، إن هذا الاعتبار كان له دور في قرار التركيز على رفح.
وأعرب نازحون من مدينة رفح، يعيشون حالياً في مواصي خان يونس، عن صدمتهم لما أضحى عليه الحال في رفح، بعد احتلالها وتحويلها إلى مناطق عازلة.
وقال المواطن عمر رشيد، إن رفح كانت مدينة صاخبة، عامرة بالحياة، يقطنها نحو ربع مليون شخص، إضافة إلى أكثر من مليون نازح، لكن الاحتلال بدأ باحتلالها وتدميرها بشكل متسارع، في شهر أيار من العام الماضي، وصولاً إلى تحويلها لمنطقة عازلة، خالية من السكان، ولا يوجد فيها أي شكل من أشكال الحياة.
وتساءل رشيد، أين سيتوجه سكان مدينة رفح، وهل سيقضون ما تبقى من أعمارهم في خيام، في ظل رفض الاحتلال عودتهم إلى المدينة، مؤكداً أن ما جرى ويجري في رفح جريمة مروّعة، يجب أن يُحاسب قادة الاحتلال عليها، وفي نفس الوقت يجب أن يحظى سكان رفح بالاهتمام، في ظل نكبتهم الجديدة.
0 تعليق