كتب محمد الجمل:
تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بشكل عام، ومحافظة خان يونس على وجه التحديد، مع تعميق العمليات البرية وتوسيع أوامر النزوح، بالتزامن مع تكثيف القصف الجوي والمدفعي على جميع أنحاء القطاع.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المُستمر، منها مشهد يوثق مأساة النزوح الجماعي للمواطنين في خان يونس، ومشهد آخر تحت عنوان: "الدُقة آخر طعام متوفر في غزة"، ومشهد ثالث يُوثق معاناة النازحين جراء انتشار حشرة البرغوث في مواصي خان يونس.
نزوح جماعي
شهد اليومان الماضيان تجدد مأساة النزوح في قطاع غزة على نطاق واسع، بعد إصدار أوامر إخلاء شملت أكثر من 80% من بلدات وأحياء محافظة خان يونس، جنوب القطاع، التي يُقيم فيها أكثر من 750 ألف مواطن ونازح.
وطلب الاحتلال من المواطنين ترك منازلهم وخيامهم في مناطق وسط وشرق وجنوب وشمال خان يونس، وأمرهم بالتوجه غرباً باتجاه منطقة المواصي.
وواجه النازحون ظروفاً عصيبة، ومشكلات هددت آلاف العائلات، إذ أكد نازحون في مقابلات منفصلة مع "الأيام"، أنهم واجهوا ثلاث مشكلات، الأولى عدم وجود مركبات تنقلهم وأثاثهم وحاجياتهم، والثانية امتلاء مناطق المواصي بالخيام، وغياب مساحات يمكن أن يتوجهوا إليها، والمشكلة الثالثة اختفاء الخيام من الأسواق، وكذلك ندرة لوازم إقامة خيام بدائية، مثل "الشوادر"، والدعامات الخشبية.
وقال المواطن عبد الله جبريل، إنه نزح للمرة السادسة في أواخر آذار الماضي، ولجأ إلى مركز إيواء وسط خان يونس "مدرسة"، وأقام وعائلته في فصل دراسي، وبدأ يستقر مؤخراً، حتى فوجئ بأوامر نزوح جديدة، حيث طلب الاحتلال من المواطنين التوجه إلى منطقة المواصي.
وبيّن أنه لم يجد حتى عربة "كارو" تنقل حاجياته، ولا يوجد معه مال يشتري خيمة، ولا يوجد مكان يُمكن أن يقيم فيه وأسرته، ولا يعلم ماذا يفعل وأين يتوجه.
وأشار الى أنه حزم بعض الأمتعة الضرورية، بحيث يحمل كل فرد من العائلة بعضاً منها، وجهز نفسه، وقرروا البقاء في المدرسة حتى الرمق الأخير، وإذا ما شعروا بخطر شديد، سينزحون سيراً على الأقدام باتجاه المواصي، رغم عدم وجود مكان يتوجهون إليه.
بينما قال المواطن إسماعيل بركات، إنه فكك خيمته التي أقامها شمال مدينة خان يونس، وانتقل بواسطة عربة "كارو" الى المواصي، حيث منحه شقيقه متسعاً من الأرض، ليضع خيمته فيها.
وذكر بركات أن الوضع مأساوي في منطقة المواصي، وأن النازحين باتوا ليلتهم في الشوارع، وبعضهم خرجوا دون أي شيء، فإضافة إلى القتل والجوع، يواجه المواطنون نزوحاً جديداً.
وقبل موجة النزوح الأخيرة، قدّر مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية، أندريا دي دومينيكو، بأن نحو 1.9 مليون شخص يُعتقد أنهم نزحوا في غزة.
وأكد دومينيكو أن تسعة من كل عشرة أشخاص في قطاع غزة نزحوا داخلياً مرة واحدة على الأقل، وبعضهم زاد عدد مرات نزوحه على عشر مرات.
"الدُقة آخر طعام متوفر في غزة"
رغم الضجة الكبيرة التي أثيرت حول فتح المعابر المؤدية الى قطاع غزة، والسماح بدخول المواد الغذائية للقطاع، إلا أن سكان القطاع لم يشعروا بأي تغيير على وضع المجاعة المستمر، بل على العكس تناقصت السلع المتوفرة في الأسواق، وارتفعت الأسعار على نحو كبير.
وأمام هذا الوضع الكارثي، بات مواطنون يبحثون عن أي طعام يسدون به جوع أبنائهم، خاصة مع اختفاء الطحين، وهو السلعة الأكثر أهمية في القطاع، والتي يتم منها تجهيز وإعداد الخبز.
ولجأ المواطنون إلى عجن المعكرونة بعد نقعها، وطحن البقوليات لتحويلها إلى طحين، ومؤخراً راج صنع الدُقة، كوجبة وحيدة للإفطار.
وشوهد عشرات المواطنين يقفون أمام ما تبقى من مطاحن في قطاع غزة، ويحملون كميات متفاوتة من العدس، بهدف طحنها وتحويلها الى دقة، حيث وصلت تكلفة طحن وتجهيز كيلو العدس وتحويله إلى دُقة 55 شيكلاً، وأحياناً أكثر.
وفي العادة يتم صنع الدُقة من القمح المحمص، مع القليل من العدس، ويتم وضع السماق، وأنواع من التوابل، ثم طحنها جميعاً، وأكلها بعد إضافة زيت الزيتون عليها، لكن في ظل الحصار، بات العدس هو المكون الوحيد للدقة، حيث يتم تحميص العدس الأحمر وطحنه، بعد إضافة الملح عليه وأكل الدقة مع الخبز أو من دونه.
وقال المواطن نبيل سليمان، إن كل ما بقي في منزله هو 20 كغم من الطحين، وهي كمية وفرها بطحن مزيج من البقوليات، وأضافها على كمية طحين يمتلكها منذ مدة.
وأشار إلى أنه يعلم بأن الدقة طعام سيئ، وأن أبناءه سئموا منه، لكنه اضطر لتجهيز كمية أخرى منها، حتى تجد عائلته ما تأكله في ظل هذا الوضع الكارثي.
ولفت إلى أن طعامهم الوحيد بات العدس، ففي الصباح يتناولونه مطحوناً على شكل دُقة، وعلى وجبة الغداء يتناولونه مطهواً إما مع القليل من الأرز أو منفرداً.
وأكد أن أبناءه اشتاقوا لأكل الخضار، والبيض، ومنتجات الألبان والأجبان، لكنهم لا يجدون أمامهم سوى العدس، ويخشى أن يفقد وباقي سكان قطاع غزة العدس، ولا يجدون شيئاً يأكلونه.
انتشار البراغيث
اجتمعت الأزمات على سكان قطاع غزة بشكل غير مسبوق منذ بداية العدوان، فإضافة إلى الجوع، والقتل، والنزوح، وحياة الخيام القاسية، باتت الحشرات واحدة من أكبر المشكلات التي تواجههم، خاصة حشرة "البرغوث"، التي انتشرت في منطقة المواصي بشكل كبير، وتتسبب بأذى جسدي كبير لهم.
ويُعاني المواطنون، خاصة في الجزء الجنوبي من مواصي خان يونس، من تلك الحشرة المؤذية، حيث تقوم بلسعهم، مخلفة طفحاً جلدياً، يؤدي إلى حكة شديدة لا تتوقف حتى عند خدشها ونزول الدم.
وقال المواطن أحمد شقفة، الذي يقطن في مواصي خان يونس، إن أجساد عائلته خاصة الأطفال ممتلئة بالبقع الحمراء، وكل بقعة ناجمة عن لسعة من حشرة البرغوث، التي عجز حتى الآن عن إيجاد طريقة فاعلة لمكافحتها، فحتى رؤيتها وتتبعها لقتلها أمر صعب، فهي تتخفى تحت الملابس، وفي حال مشاهدتها وقبل الإمساك بها تقفز وتختفي.
وبيّن أنه اشترى مبيداً حشرياً، وقام برش الخيمة مرتين، لكنها تختفي يوما أو يومين، ثم تعود مرة أخرى، ولا يعرف كيف يتصرف للتخلص منها.
بينما قال المواطن أيمن عيسى، إنه قضى في المواصي 9 أشهر مع دخول الاحتلال إلى مدينة رفح، قبل نحو عام ثم غادر وعاد الى منزله، ونزح مرة أخرى نهاية آذار الماضي، وفي النزوح الجديد فوجئ بانتشار حشرة البرغوث في المواصي، رغم أنها لم تكن موجودة في السابق.
وأكد عيسى أنها حشرة عنيدة، تُقاوم جميع محاولات مكافحتها والتخلص منها، ولم يترك طريقة إلا واستخدمها من أجل طردها من خيمته، لكنه فشل حتى الآنـ مبيناً أن أطفاله وباقي أطفال المخيم يواصلون حك جلودهم باستمرار بسبب لسعاتها المؤذية.
وأوضح أن الأمر لا يمكن أن ينجح عبر محاولات المكافحة الفردية، فالقضاء على البراغيث يحتاج إلى جهود مؤسسة كبيرة، تقوم برش المخيمات بالكامل، وتوزيع مبيدات على النازحين، حتى تنجح هذه الجهود.
ووفق مختصين فإن لسعة البرغوث مزعجة للغاية للإنسان، لأن المواد الكيميائية الموجودة في لعاب البراغيث تُحفز استجابة مناعية تُسبب الحكة الشديدة.
وإضافة إلى الحكة التي تسببها، فإن البراغيث تعتبر من أخطر الحشرات الطفيلية على الإطلاق، فهي قد تتسبب بنقل الأمراض الخطيرة، مثل الطاعون، وداء البروسيلا، وداء الليشمانيا، وهذه الأمراض يمكن أن تكون قاتلة للحيوانات والبشر.
0 تعليق