وفي هذا العهد الزاهر، عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، اكتسبت العناية بالحرمين الشريفين بعدًا جديدًا، مع «رؤية السعودية 2030»، باجتراح «برنامج خدمة ضيوف الرحمن»، الذي أطلق في العام 2019م، بما اشتمل عليه من رسالة سامية مفادها «إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة على أكمل وجه، والعمل على إثراء وتعميق تجربتهم، من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، وتحقيق رسالة الإسلام العالمية، وتهيئة المواقع السياحية والثقافية، وإتاحة أفضل الخدمات قبل وأثناء وبعد زيارتهم لمكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وعكس الصورة المشرِّفة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن».
ووفقًا لهذا البرنامج شهدت مرافق الحرمين الشريفين حركة غير مسبوقة من التطوير، والاستعانة بالتقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي، وتوفير كافة المعينات اللوجستية لضمان أن يؤدي الحجاج والمعتمرون شعائرهم في «يسر وطمأنينة»، فهذا الشعار ظل السمة الأساسية التي حرصت القيادة على إنزالها إلى أرض الواقع، وسخّرت لذلك كافة الإمكانيات والجهود، واستنفرت جهات الاختصاص المتعددة، من أجل راحة الحجاج، وسلامهم وأمنهم؛ بل إن جهود المملكة استبقت حركة الحجاج قبل أن يغادروا بلدانهم عبر «مبادرة طريق مكة»، التي سهّلت الإجراءات، وفتح مسار الراحة والطمأنينة للحجيج، الذين لهجوا بالثناء عليها، والإشادة بما وجدوه من عون ومساعدة وحرص على راحتهم، فكل الشواهد الماثلة اليوم تؤكد حقيقة واحدة لا مراء فيها ولا جدال، ولا مكان فيها للتزيّد أو الانتقاص؛ ومفادها أن المملكة العربية السعودية، بفضل الله، ثم بحكمة وجهد قيادتها والمسؤولين فيها، قد جعلوا من رحلة الحج رحلة مأمونة، ميسرة السبل، موفورة الخدمات بكافة أنواعها، بلا منة أو رياء، ودون جاحدها ما يملأ عينه من الشواهد الماثلات، تنوّع في وسائل النقل من قطار الحرمين، والحافلات صديقة البيئة، وكافة الوسائل الأخرى، وتوسعة جديدة شملت الحرم والمشاعر بما جعل السعة الاستيعابية تصل إلى الملايين، ثم تعبيد الطرق في المشاعر وتطوير طرق المشاة، وتجهيزها بأرضيات من بلاط الإنترلوك، مع توفير وتهيئة مقاعد للجلوس على جانبي الطريق إضافة إلى تشجيره ليكون ملائمًا للمشاة من الحجاج وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، الذين يستخدمون العربات المتحركة، مع تأهيل جميع المرافق في ممرات المشاة، من دورات المياه إلى إحلال وتجديد وسائل الإنارة.. أما في عرفات الخير وعبر مشروع إحياء ضخم تم استغلال أكثر من 80 ألف متر مربع من المساحات غير المستغلة سابقًا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج، المتوقع أن تكون أكثر من (4) ملايين حاج، بما يعني زيادة الضعف عن السابق، كما جرى تحديث أرضيات مخيمات المشعر بـ«الإنترلوك»، بما يضمن قوة التحمل والاستدامة، وسهولة الوصول للخدمات.. وإذا نظر الناظر إلى ما يقدّم من خدمات طبية، سيرى ما يسر الصديق ويكبت الشانئ، فقد تجاوزت المملكة في خدماتها حدود المنتظر والمتوقع إلى ما هو أبعد برعاية متكاملة للحجاج دون أي مقابل مالي، بما يشمل ذلك حتى العمليات الكبيرة التي تطرأ من بعض الحالات الصحية، وحالات التفويج للمرضى بعربات إسعاف مجهزة بالكامل، حرصًا على تمكينهم من الحج بيسر وطمأنينة..
كل هذا وغيره منظور ومعروف وملموس، ومتوقع من وطن دأبه راحة ضيوف الرحمن وقيادة همها أمنهم وراحتهم، ولذا فالعجب كل العجب في من يرى في شعار «لا حج بلا تصريح» تضييقًا على المسلمين وحجرًا لهم عن الوصول إلى بيت الله، فما تفعله المملكة من تطوير مستمر غايته وهدفه التهيئة لاستيعاب الأعداد المتزايدة، كما أن أعداد الحجاج السنوية تدحض هذه الفرية التي نعرف مصدرها، وندرك غايتها، فهي «شنشنة» سنوية، لا غاية لها غير تعكير الأجواء، ومحاولة الانتقاص من صنيع لا ينكره إلا جاحد، ولا ينتقص منه إلى كنود.
فشعار «لا حج بلا تصريح» لا رجاء له إلا أن يضمن سلامة الحجيج وأمنهم، وأن يتمتعوا بخدمات نوعية تمكنهم من أداء مشاعرهم بيسر وطمأنينة، وتمنع عنهم السلوكيات السالبة التي كان لها سالب الأثر في المواسم السابقة، فكان من المهم أن تعالج في المواسم التالية تغليبًا للمصلحة، ودرءًا للمفسدة..
نسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا لما يرضي الله، وأن ينعم الحجاج في هذا العام وفي الأعوام المقبلات بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور، وأن يعودوا إلى أوطانهم موفوري الصحة ومدركين لعظمة ما شهدوا في هذه البلاد المقدسة..
وكل حج وأنتم بخير.
أخبار ذات صلة
0 تعليق