04 يونيو 2025, 2:17 مساءً
مع توافد ضيوف الرحمن إلى مكة المكرمة، استعدادًا لأداء مناسك الحج، يبدأ مشهد الإحرام في الظهور، حيث يُقبل الحجاج من كل فجّ عميق وهم يرتدون لباسًا واحدًا، بلون واحد، وهدف واحد، في لوحة إيمانية تجسّد أسمى معاني التواضع والروحانية.
الإحرام هو أول خطوة يدخل بها الحاج أو المعتمر في نسكه، حيث يخلع لباس الدنيا، ويرتدي زيًا بسيطًا خاليًا من الزينة، يعبّر عن الطهارة والتجرد والنية الصادقة في أداء الركن الخامس من أركان الإسلام.
ما هو الإحرام؟
الإحرام هو نية الدخول في النسك، سواء كان حجًا أو عمرة. ويبدأ من الميقات المخصص لكل جهة، وهو واجب لا يتم الحج أو العمرة بدونه. وما أن ينوي المسلم الإحرام حتى يدخل في حالة شرعية خاصة تُلزمه بعدد من المحظورات، مثل قص الشعر، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط للرجال، وغيرها من الضوابط الشرعية.
لباس الإحرام.. بساطة المعنى وعظمة:
والمقصد في لباس الإحرام للرجال أن يتكوّن من قطعتين من قماش أبيض غير مخيط:
• الإزار: يغطي الجزء السفلي من الجسد.
• الرداء: يُغطى به الجزء العلوي.
أما المرأة، فلا تلبس لباسًا مخصصًا للإحرام، بل تحرم في ملابسها المحتشمة، دون زينة أو تبرج، وتُمنع من ارتداء النقاب والقفازين أثناء الإحرام، وفقًا لتعاليم السنة النبوية.
ويُصنع الإحرام عادة من قماش قطني خالص، لضمان راحة الحاج وتحمله للحرارة الشديدة، دون زخرفة أو علامات تُفسد رمزيته الروحية.
كيفية الدخول في الإحرام:
يُستحب قبل الإحرام أن يغتسل المسلم، ويتطيب في جسده دون ثيابه، ثم يرتدي الإحرام في الميقات، ويعلن نية النسك بقوله:
"لبيك اللهم حجًا" أو "لبيك اللهم عمرة".
ثم يبدأ في التلبية، وهي الشعار العلني للمحرم، فيردد:
"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
الإحرام في هدي النبي ﷺ:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبدأ إحرامه من ميقات ذي الحليفة، ويغتسل ويتطيب قبل ذلك. وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم، قال ﷺ عندما سئل عمّا يلبسه المحرم:
"لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا الخفاف".
وكان النبي ﷺ يُكثر من التلبية، ويحث أصحابه عليها، لما فيها من تعظيم لله وتذكير بالنسك.
رمزية الإحرام.. مساواة وتواضع:
أبرز ما يميز الإحرام هو تجريده للحاج من مظاهر الترف والمكانة، ليقف الجميع في صفّ واحد، بلباس واحد، دون فروقات طبقية أو قومية. فالجميع أمام الله سواسية، لا يميزهم إلا تقواهم وصدق نيتهم.
مشهد الإحرام لا يُنسى، ومن عاشه مرة عاد إليه شوقًا، ومن لم يذقه بعد، دعا الله أن يبلّغه إياه.. هو إعلان نية ورحلة تصفية للنفس، تبدأ من أول لحظة ارتداء هذا اللباس الأبيض الذي لا يعرف زيف الدنيا.
أخبار متعلقة :