د. لويس حبيقة
حقبة سيطرة الصناعة على الاقتصاد العالمي كانت مفيدة للنمو لكن التطور العلمي التكنولوجي غيَّر طرق الإنتاج مما سهَّل نهوض الخدمات ونقل القرار الاقتصادي من المعمل إلى المكتب، تطورت المدن وأصبح الاتصال أسهل بفضل تطور قطاعي الاتصالات والنقل، لم يقتصر التطور التكنولوجي على النقل والاتصالات بل شمل القطاعات الرقمية والمشفرة، هذا أسهم أيضاً في تسريع انتقال الاقتصاد العالمي إلى مراحل أكثر تطوراً وسرعةً، التطور الرقمي هو السبب الأساسي لإفلاس نصف الشركات الكبرى في الأسواق المالية. من لا يتابع ويطبق التطورات يخسر بل يزول من الأسواق التنافسية الصعبة، لم يؤثر الاقتصاد الرقمي على أوضاع الشركات فقط بل غيَّر كلياً أسواق العمل وشروطها.
لكل تغيير اقتصادي مستفيدين وضحايا وهنا تكمن أهمية التحضير للتحولات القادمة، هنالك قواعد جديدة للأسواق موجعة كثيراً لمن لا يقبلها. من القواعد القديمة التي كانت مفيدة قبل الاقتصاد الرقمي ولم تعد كذلك هي تشجيع الشباب والشابات أكثر على التدريب والتعليم واكتساب كل الخبرات الممكنة، كانت القواعد مفيدة للقطاعات التي استفادت من العولمة والتشغيل الآلي وليس لكل القطاعات. فالمواطن الذي يكتسب الخبرة والتعليم يستطيع الحصول على فرصة عمل جيدة في قطاع الخدمات، أما الذي ليس له هذه المؤهلات يبقى في الصناعة أو حتى في الزراعة إذا شاء، فالتعليم العالي كان الوسيلة للحصول على فرصة عمل جيدة في قطاع الخدمات، هذا لم يعد صحيحاً اليوم إذ أن الاقتصاد الرقمي غيَّر القواعد مما يؤثر سلباً في العاملين في قطاع الخدمات، أي عموماً ثلاثة أرباع اليد العاملة الوطنية.
لا بد للمرشحين للدخول إلى أسواق العمل من أن ينتبهوا إلى أمور عديدة، يجب أن يتجنبوا الدخول إلى الأسواق التي تدخل فيها التكنولوجيا الحديثة بقوة، تجنبوا القطاعات التي تتكل أكثر فأكثر على الذكاء الاصطناعي كما على الخدمات عن بعد، منافستهما صعبة والربح فيهما غير مؤكد بل متعب حتى لو حصل، يجب على طالبي العمل التوجه إلى القطاعات التي تتطلب الاجتماع في غرف مغلقة حيث الاجتماع وجهاً لوجه لا مفر منه.
فالخدمات التي يمكن أن تُحل عبر الاتصالات ستكون كذلك وربما تكلف أقل وأحياناً تعطي نتيجة أفضل تبعاً لنوعية وأهلية الشخص الآخر، تجنبوا الأعمال التي لا تفرض وجود الطرفين في نفس الغرفة لأن البديل، أي المنافسة عبر الأنترنت، قوية وغير عادلة، المطلوب من طالبي العمل تعلم تقنيات التواصل الإنساني المباشر التي يفشل فيها الحاسوب والإنسان الآلي.
هل يأتي التطور التكنولوجي دائماً لمصلحة الإنسان؟
ليس بالضرورة علماً أن من يطور التكنولوجيا هو الإنسان نفسه، لم يعد هنالك حدود للتطور التكنولوجي حتى لو بدأ جدياً بأخذ مكان الإنسان في خدمات كانت بعيدة عنه، فالخدمات الطبية والصحية والاقتصادية والقانونية أصبحت متطورة عبر العالم الرقمي، أما دور المواطن العادي فيكمن في التأقلم مع المتغيرات وليس مقاومتها، أصبح العالم الحالي أصعب وأخطر والوعي مطلوباً.
* كاتب لبناني
أخبار متعلقة :