كتب محمد الجمل:
لا يزال سكان القطاع يواجهون المجازر والتهجير والجوع بشكل يومي، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على جميع المناطق دون توقف، خاصة جنوب القطاع وشماله.
"الأيام" تواصل رصد مشاهد جديدة من العدوان، منها مشهد بعنوان "موت في كل مكان"، ومشهد آخر يُوثق حسرة وحزن أسرة المواطن أحمد عدوان بفقد نجله الرضيع كنان، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "نازحو رفح وآمال العودة".
موت في كل مكان
يعيش سكان قطاع غزة في دائرة الخطر الشديد، ويلاحقهم الموت أينما ذهبوا، سواء في الخيام، أو مراكز الإيواء، أو حتى في بيوتهم.
وشهدت الفترة الماضية تصاعد الجرائم الإسرائيلية، التي تسببت بسقوط أعداد كبير من الشهداء والجرحى، ودمار كبير في المنازل وخيام النازحين.
المواطن ياسر حمدان يقول: إنه نزح من شرق رفح فراراً من الموت، وطلباً للأمان، واتجه إلى مواصي خان يونس، حيث أمره الاحتلال أن يتوجه، لكنه فوجئ بأن الموت يلاحقه، والخطر يُحيط به من كل جانب، فلا يكاد يمر يوم دون قصف خيمة هنا، أو مركز إيواء هناك، ويشعر أن الموت يطارده وعائلته أينما ذهب.
وأوضح حمدان أن الاحتلال معني بجعل جميع مناطق القطاع خطرة، حتى المناطق التي ادعى أنها آمنة، ويواصل الضغط على السكان بكل الطرق والوسائل الممكنة، والنتيجة جوع ومرض، وخوف، وموت في كل مكان، بينما تتواصل التهديدات بالمزيد من التصعيد والموت.
وصعّد الاحتلال في الآونة الأخيرة من استهدافه لمدارس ومراكز الإيواء، والخيام، التي تضم آلاف العائلات، بعد أن دُمرت منازلهم وأحياؤهم، واضطروا إلى النزوح تحت النار إليها، ظناً منهم أنها آمنة.
ووفق جهاز الدفاع المدني، فإن الاحتلال استخدم صواريخ أميركية الصنع تطلق درجات حرارة عالية تصل إلى ٧ آلاف درجة مئوية تتسبب في ذوبان الجثث واشتعال النيران، وقد استخدمت هذه الصواريخ في قصف خيام النازحين مرات عديدة، ومؤخراً بات الاحتلال يستخدم طائرات انتحارية ذات قوة تدميرية كبيرة في قصف الخيام.
وقالت منسقة الطوارئ لدى منظمة أطباء بلا حدود في غزة، أماند بازيرول: "لقد تحولت غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يساعدهم. إننا نشهد في الوقت الحالي تدميراً وتهجيراً قسرياً لجميع سكان غزة".
وأشارت إلى أنه في ظل انعدام أي مكان آمن للفلسطينيين أو من يحاولون مساعدتهم، تُعاني الاستجابة الإنسانية بشدة تحت وطأة انعدام الأمن ونقص الإمدادات الحاد، ما يترك الناس أمام خيارات محدودة، إن وُجدت، للحصول على الرعاية.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن قصف المدارس وتدميرها على رؤوس النازحين فيها لم يكن له أي مبرر فعلي، وغابت عنه الضرورة الحربية، رغم أن الجيش الإسرائيلي في كل مرة حاول تبرير القصف باستهداف أحد النشطاء العسكريين أو السياسيين، دون أن يُثبت صحة هذا الادعاء.
فقد وحزن
يعيش الصحافي أحمد عدوان وزوجته حالة حزن كبيرة، بعد فقد رضيعهما كنان، البالغ من العمر عاماً ونصف العام، إثر غارة استهدفت الطابق العلوي من المنزل الذي يقيمان فيه، في معسكر خان يونس جنوب القطاع.
المواطن عدوان، وهو نازح من مدينة رفح، كان فر من المدينة للنجاة بأسرته، ولجأ إلى محافظة خان يونس، غير أن صواريخ الاحتلال لاحقتهم، وقتلت نجله، الذي رزق به بعد انتظار استمر 18 عاماً.
الصحافي عدوان وزوجته ودّعا طفلهما بحزن كبير، وقد وضعه والده في القبر وهو يبكي بحرقة، ويطلب من الله العوض.
ويقول عدوان: إن ابنه "كنان"، جاءه بعد انتظار دام 18 عاماً، حيث سبقه 6 شقيقات، وكان يحلم وزوجته بطفل ذكر، وقد عانت زوجته خلال فترة حملها، وأخذت أكثر من 700 حقنة، حتى تمر فترة الحمل على خير، ويُولد كنان.
وأوضح أن نجله كان بمثابة شيء عظيم للأسرة، فالجميع يحتفون به، ويرعونه، ويقدمون له ما استطاعوا، لكن صواريخ الاحتلال التي لاحقتهم اختطفته من بينهم.
وبيّن عدوان أنهم نجوا من الموت المحقق بينما كانوا في رفح قبل نحو عام، بعد قصف منزل مجاور، ثم فروا من مدينة خان يونس بعد احتلال رفح، وتعرض منزلهم للتدمير، وما زالوا يعيشون الخوف والنزوح، بالإضافة إلى الحزن الناجم عن فقد كنان.
وعن تفاصيل الحادثة تقول والدة كنان: "كنا جالسين، وكان يلهو حولنا، وفجأة حدث انفجار، وضربت شظية جسده الضعيف، ونقلناه إلى المستشفى في حالة صحية حرجة، وحاول الأطباء إنقاذه، إلا أنه فارق الحياة".
وتابعت: أصعب فترة حين أمسكت بكنان وكان جثة هامدة لا يتحرك، لم أستوعب الموقف، حاولت أن أكلمه، وانتظرت منه استجابة، لكنني سرعان ما أدركت أنه لم يعد في عالمنا".
وأكدت الأم أنها بفقد كنان شعرت بحزن عميق، وفراغ كبير، فكان كنان حلم الأسرة، لكنها رغم المصاب الجلل، والفقد الكبير، إلا أنها صابرة ومُحتسبة، وتطلب العوض من الله.
وبالإضافة إلى كنان، استشهد مواطن ومواطنة من عائلة أبو شمالة جراء قصف نفس المبنى.
نازحو رفح وآمال العودة
يعيش نازحو رفح أسوأ فصول المعاناة، بعد طردهم عنوة من مدينتهم، والاستيلاء عليها من قبل الاحتلال، ومنعهم من الوصول لبيوتهم.
وتختلف معاناة نازحي رفح عن غيرهم من النازحين، فبالإضافة إلى الجوع، والمرض، وحياة الخيام، والخوف، يعيش نازحو المدينة حالة من الحزن واليأس، بعد إعلان جيش الاحتلال سيطرته على المدينة بالكامل، وتحويلها لمنطقة عازلة، ومنع السكان من العودة إليها.
ويقول النازح أحمد الشيخ عيد: إنه نزح من رفح مرتين منذ بدء العدوان، الأولى كانت في السادس من أيار من العام الماضي، مع بدء العملية العسكرية في المدينة، ثم عاد إلى بيته مع إعلان التهدئة في التاسع عشر من كانون الثاني الماضي، ومكث في بيته حوالي الشهرين، قبل أن يضطر للنزوح للمرحة الثانية نهاية الشهر الماضي.
وأكد الشيخ عيد أنه شعر منذ اللحظة الأولى أن النزوح هذه المرة سيكون مُختلفاً، وقد لا يعود للمدينة.
وأوضح أنه يعيش في مواصي خان يونس نازحاً، يتجرع الألم والجوع، وقد لا يعود إلى بيته في رفح، وهي ذات الرحلة والمعاناة التي عاشها أجداده في العام 1948.
بينما يقول المواطن حاتم حسن، من سكان حي النصر برفح: إنه ترك بيته مُكرهاً، وقد لا يعود إليه، خاصة بعد سيطرة الاحتلال على رفح.
وأكد حسن أنه يشاهد من موقعه الجديد غرب خان يونس عمليات النسف والتدمير المتصاعدة في رفح، ويرى بوضوح سحابات الدخان، ويسمع أصوات الجرافات وهي تهدم وتجرف المنازل والمباني في رفح.
وأضاف: إنه حاول الاقتراب من جنوب خان يونس، لكن مواطنين حذروه، وطلبوا منه التراجع، وأكدوا له أن أي شخص يحاول الاقتراب من تلك المنطقة تقتله المُسيّرات على الفور.
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عن مصادر أمنية، أن الجيش يعتزم تحويل مدينة رفح والأحياء المحيطة بها في قطاع غزة لجزء من المنطقة العازلة، ولن يسمح للسكان بالعودة إليها.
وأضافت الصحيفة: إن الجيش الإسرائيلي يدرس هدم كافة المباني الواقعة في نطاق منطقة رفح، التي تقع بين محور "فيلادلفيا"، ومحور "موراج"، وكان يسكن بها نحو 270 ألف فلسطيني، وتصل مساحتها إلى 75 كيلومتراً مربعاً وتشكل 20% من مساحة قطاع غزة.
أخبار متعلقة :