كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتتعمق معه المأساة والمعاناة، بالتزامن مع تواصل معاناة النازحين، واستمرار المجاعة، وانتشار مظاهر الفوضى.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من العدوان، منها مشهد يُوثق التعرض اليومي لشاحنات المساعدات وسرقتها، ومشهد آخر بعنوان: "أيتام بلا مُعيل"، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان: "بيوت من قماش".
التعرض لشاحنات المساعدات
باتت السرقة والبلطجة من السلوكيات المُنتشرة في قطاع غزة، ولم تعد مُقتصرة على المواطنين، بل أصبحت تشمل عائلات، حيث تقوم بعض العائلات بالسيطرة على طرقات مخصصة لسلوك شاحنات المساعدات المخصصة لمؤسسات دولية في قطاع غزة، ونهبها وسرقتها بشكل كامل.
ويومياً تشهد منطقة "التحلية"، ودوار بني سهيلة، ومفترق "فش فريش"، في محافظة خان يونس، جنوب القطاع، تجمعات كبيرة للمواطنين، الذين ينتظرون وصول الشاحنات، بينما تشهد منطقة شارع صلاح الدين قبالة مدينة دير البلح وسط القطاع، ومنطقة السودانية شمال غربي مدينة غزة، تجمعات مماثلة لمئات المواطنين، الذين ينتظرون وصول المساعدات، وبمجرد وصولها يتم السيطرة عليها وسرقتها، حيث تقوم عائلات وتجمعات بالسيطرة عليها، ومن ثم بيع ما يتم سرقته في نفس المكان وبأسعار باهظة.
ووفق مصادر مطلعة، فإنه وفي ظل منع الاحتلال للشرطة، والجهات الأمنية في غزة من حماية المساعدات وتأمينها، فإن أكثر من 95% من المساعدات التي تصل يتم سرقتها، وإعادة بيعها في الأسواق بأسعار مرتفعة.
وقال المواطن إبراهيم النجار إن المساعدات المسروقة باتت السلع الوحيدة المتوفرة في الأسواق، حيث يتم سرقتها وبيعها بأسعار مرتفعة، وأنه هو وغيره من المواطنين مضطرون لشرائها، رغم أنها جاءت ليتم توزيعها مجاناً على المواطنين.
وأشار النجار إلى أنه اشترى 5 كغم من الطحين المسروق من المساعدات مقابل 250 شيكلاً، وهي حقه وحق غيره من المواطنين، ولو تُركت المساعدات تصل إلى المؤسسات الدولية والإغاثية، لكان من الممكن توزيعها مجاناً على الجميع، واستفادت الأسر الجائعة منها، لكن بعض العائلات وعصابات البلطجية مازالت تصر على سرقتها، ومحاولة الثراء على حساب تجويع الناس في غزة.
من جهته، قال الشاب "حسام"، إنه ينتظر يومياً وصول شاحنات المساعدات لأخذ ما استطاع منها، مرجعاً سبب ذلك إلى تحول الأمر إلى ظاهرة، وأضاف: "إن تركتها فلن يتركها غيري، لذلك أتوجه لسرقة ما أستطيع، أنقل بعض الكميات لخيمة عائلاتي، والباقي أبيعه".
وأقر الشاب "حسام" بأن هناك أرضية خصبة وتسهيلات من الاحتلال من أجل سرقة الشاحنات، في ظل تغييب متعمد لعناصر الشرطة، وقوات الأمن، وإدخال الشاحنات من طرق معينة، ما يسهل سرقتها، ويحول دون وصولها إلى وجهتها.
وأعلنت وحدة تسمى "سهم"، عن تصفية عدد من اللصوص وقطاع الطرق، الذين يقودون عصابات لصوص ويقومون بالسطو عليها، محذرة من أنها ستقوم بملاحقة كل من يسرق ويستولي على الشاحنات.
أيتام بلا مُعيل
خلّفت الحرب المُستعرة على قطاع غزة، آلاف الأطفال الأيتام، الذين فقدوا آباءهم أو أمهاتهم، وبات هؤلاء بلا معيل، بعضهم يعيشون عند أقاربهم، وآخرون يواجهون مصاعب الحياة منفردين دون من يساعدهم.
الطفل محمد عابد (14 عاماً)، كان يتجول في مواصي خان يونس، ومعه حافظة بلاستيكية، ممتلئة بماء بارد، محاولاً بيعها، مبيناً أنه يعمل بائعاً متجولاً في مختلف المواسم، حسب السلع المتوفرة، فهو يتيم فقد والده خلال الحرب، وهو أكبر أشقائه، لذلك اضطر للعمل مبكراً حتى يوفر المال لعائلته.
وأكد عابد أن الظروف التي تعيشها أسرته صعبة، فلا يوجد لهم معيل، ووالدته تعمل على فرن طين، وهو يعمل بائعاً متجولاً، ويسير كل يوم مسافات طويلة من أجل بيع الماء الذي يشتريه من أحد الأشخاص، حيث يقوم الأخير بتبريده، لافتاً إلى أنه ينتظر عودة المواطنين من مراكز المساعدات الأميركية، حيث يصلون مُنهكين وعطشى، جراء السير مسافات طويلة، ويحاول بيع الماء لهم.
بينما قال الفتى بلال حسونة، إنه فقد والده وشقيقه جراء قصف استهدفهما شرق رفح، وكان كلاهما يعملان في تجارة المواد الغذائية، وفجأة وجد نفسه في موقع المسؤولية، واضطر أن يعمل في نفس مهنة والده، وفتح بسطة مواد غذائية، لكنه توقف عن عمله بسبب الحصار وإغلاق المعابر التجارية، ونفاد السلع من الأسواق.
وبيّن أنه بات يضطر للتوجه إلى مراكز المساعدات الأميركية، ويجلب من هناك بعض المواد الغذائية، يُخصص جزءاً منها لأسرته ويبيع الجزء الآخر، لافتاً إلى أنه يواجه الخطر كل يوم، حتى يوفر الطعام لعائلته.
وأكد أنهم يعيشون أسوأ ظروف، ويواجهون مصاعب الحياة منفردين، فلا يوجد هناك من يتبنى أيتام الحرب، أو يقدم مساعدات لهم، وكل أسرة فيها أيتام عليها أن تدبر أمورها بنفسها.
وذكر مدير وحدة المعلومات في وزارة الصحة بقطاع غزة، زاهر الوحيدي، أن نحو 37 ألف طفل يتيم يتواجدون في قطاع غزة، وهناك 14 ألف سيدة فقدن أزواجهن، وأصبحن أرامل.
ووفق وزارة الصحة في غزة، فقد بلغ عدد الأطفال الذين فقدوا آباءهم 32.152 طفلاً، بينما فقد نحو 4500 طفل أمهاتهم، في حين وصل عدد الأطفال الذين فقدوا كلا الوالدين إلى 1920 طفلاً.
بيوت من قماش
لم تعد خيام النازحين في ظل فترات النزوح الطويلة، مجرد خيمة تجمع أفراد العائلة، إذ باتت الخيام تشبه المنزل من حيث تكوينها، وإن كانت مُقامة من القماش والنايلون.
وخلال موجة النزوح الأخيرة، التي أعقبت تجدد العدوان في 18 آذار الماضي، سعى النازحون إلى الحصول على قطعة من الأرض لا تقل على 70 متراً، وقسمت كل عائلة نازحة المساحة التي أقامت فيها إلى مجموعة من المرافق الخاصة، مثل غرفة نوم، وأخرى معيشة، وحمام، ومطبخ.
وأقام النازحون المرافق المذكورة من دعامات خشبية، تحيط بها قطع من القماش، و"الشوادر"، والنايلون وصمموا لها أبواباً خشبية بسيطة.
وأوضح المواطن علي رضوان، أنه قبل التهدئة الأخيرة كان نازحاً في مواصي خان يونس، وأقام وأفراد عائلته البالغ عددهم 8 أشخاص، في خيمة مساحتها لا تتجاوز 20 متراً مربعاً، وكانوا يستخدمون حمّاماً شبه عمومي، مخصصاً لعدد من الخيام، وخيمتهم كانت عبارة عن مكان للنوم، والمعيشة، ومطبخ.
وأشار إلى أنه وبعد موجة النزوح الأخيرة، بحث عن منطقة واسعة، واستقر وأسرته في منطقة تقع جنوب مواصي خان يونس، وقام بإغلاق قطعة من الأرض تصل مساحتها إلى 80 متراً مربعاً، وأقام فيها خيمتين، ومطبخاً، وحماماً، بما يحاكي منزلاً مكتمل المرافق، لكنه من قماش.
وبيّن أنه قام أيضاً بوضع "شوادر" حول كامل خيمته، لسترة عائلته، كما أقام مظلة كبيرة فوق الخيمة، لحماية العائلة من أشعة الشمس، ويحاول وعائلته التأقلم، والتعامل مع نزوح طويل.
ونوّه إلى أن بيته جرى تدميره في رفح، وقد تأكد من ذلك بعد مشاهدة صور أقمار صناعية، لذلك هيأ عائلته للعيش فترات طويلة في الخيام، وفي حال توقف العدوان، وعاد إلى رفح، سيقوم برفع أنقاض منزله، ويقوم بإغلاق المساحة المقام عليها بـ"شوادر"، وإقامة ما يشبه الغرف المُستقلة، ومنافع أخرى، لكن بطريقة أفضل، باستخدام ألواح صفيح، ومواد أخرى تقاوم العوامل الجوية، وتحمي من البرد والمطر، والرياح، والعوامل الجوية.
وشدد على وجوب أن يتأهب الجميع وأن يستعدوا لحياة خيام طويلة، وأن يصمموا خيامهم بطريقة تريح ظروف معيشتهم قدر المُستطاع.
أخبار متعلقة :