الكويت الاخباري

نقل جثمان موسى محرق فضائياً - الكويت الاخباري

فاض الموت هذه الأيام بسخاء.

مضت أيام وأنا ساكن بين القنوات الفضائية التي تُلقي بالموتى إلى قبورهم من غير أي طقس لتوديعهم.

المداواة على رؤية مشهد الموت يصيب المرء بالبلادة، وخلال الأيام الماضية خف ذهابي وإيابي، وأصبحت رهين القنوات الفضائية المشيعة للموتى بالجملة، موت في موت حتى أن «قراءتي» أصابها الذبول، ولم تستطع الأفلام اختطافي لكي أعيش في عوالم سينمائية موازية للحالات الإبداعية القادرة على تجسيد حياة لها منافذ عديدة، فرؤيتك لفيلم يمنحك الإدراك بماهية اللحظة، ولأن الحالة العامة للسينما المحتفية بأفلام الرعب والعنف تزيد المرء بلادة على بلادة.. ربما كانت أفلام الأبيض والأسود لها هدأة النفس فلجأت إلى عوالمها، ومع ذلك كانت الأحداث الفضائية الحارقة تصيبني بلذعة التنبه، خاصة إن رأيت من يسقط ميتاً في لحظات، ولأن القنوات الفضائية تصب الموت صباً قل الاكتراث، وتهون على نفسك الجزعة أو من تراهم موتى ليس لك بهم علاقة سوى الإنسانية المنتهكة.

كنت ساكناً في صومعتي؛ مكتبي، ومن شقوق عزلتي، تتسرب أخبار أصدقاء أو معارف تنص الأخبار رحيلهم عن هذه الدنيا، ولأني لا أحبذ التعزية، مكتفياً بالرضى، والاقتناء أن من رحل سيظل في داخلي حياً فقط فرقت بيننا الأماكن، ولكي لا أُؤكد رحيله، لا أقوم بتعزية ذويه، وهو سلوك قاس على نفسي، وعلى من يعرف علاقتي بالمتوفى.. مؤلم جداً أن تعزي فيمن كان نبضك يخالج نبضه.

البارحة ومن شقوق عزلتي تسرب إليّ موت الشاعر الصديق موسى محرق، كان خبراً عاصفاً، مرعباً، ليس لرحيل موسى، فكلنا راحلون، وإنما كان موته مهيجاً لذكرى جمعت بيننا نحن الثلاثة (حمود أبو طالب، وموسى محرق، وأنا)، ودار الحديث عن العمر، وسرعة انطوائه، معتبرين أن العمر لو امتد لمائة سنة فهو قصير، وقصير جداً، وفتحنا رغباتنا في امتداد العمر كحد يرضي أنفسنا للبقاء على وجه هذه البسيطة، وكان أمامنا مثالا دعوة نوح عليه السلام في العمر الممتد، واختار كل منا عمراً يرضيه لأن يعيش في هذه الحياة، كنت أنا وموسى قد ارتضينا أن يكون العمر الملائم يقدر بثلاثمائة سنة، وإن كانت طويلة، فلتكن مائتين وخمسين سنة، وأقنعنا حمود بهذا العمر.. كنا نتضاحك، فمع كل اختيار يتم صياغة حياتنا، وفق العمر الجديد الذي اقتنعنا به، وعندما سمعت بموت موسى، عدت إلى حساباتنا، لم يمكث موسى سوى خمسين عاماً، وقد تبقى له مائتا عام وفق رغبته التي سفكها في اجتماع تميز بالضحك ونثر الرغبات والأحلام والأماني؛ كوننا ما زلنا في بداية أعمارنا الجديدة.. رحل موسى بغتة، آآآه لقد فاض الموت هذه الأيام بسخاء، فغرق موسى مع من غرق، وقد رأيته يشيع في كل القنوات بكفن لم أميز لونه.. رحمك الله يا موسى.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :