كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان البري والجوي على قطاع غزة، وتتصاعد المجازر خاصة في محيط مراكز توزيع المساعدات الأميركية، بينما تتواصل عمليات التدمير في قلب القطاع.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد للعدوان الإسرائيلي وتبعاته، منها مشهد تحت عنوان: "نتساريم مقبرة المُجوّعين"، ومشهد آخر يرصد كيف يتابع النازحون المُثقلون بالهموم الصواريخ الإيرانية وهي في طريقها إلى المدن الإسرائيلية، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على تداعيات الحصار، وإسهامه في رفع نسبة البطالة في القطاع.
"نتساريم" مقبرة المُجوّعين
مازال "محور نتساريم"، الواقع وسط قطاع غزة، يشهد مجازر يومية دامية، يذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من المجوّعين، الباحثين عن الطعام المفقود في القطاع.
ومنذ بداية حزيران الجاري، حوّلت قوات الاحتلال المحور المذكور إلى نقطة لاستدراج وقتل المجوّعين، إذ تتركهم يتجمعون قرب المحور، ومن ثم تفتح نيران أسلحتها الرشاشة صوبهم، وتستهدفهم بالمسيّرات وقذائف الدبابات.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن المجازر الإسرائيلية قرب "محور نتساريم" تستهدف نوعين من المجوعين، الأول الذين يتوافدون إلى مركز توزيع المساعدات الأميركية قرب المحور، حيث يتم استهدافهم وقتلهم، والنوع الثاني المُجوعون الذين ينتظرون وصول شاحنات تحمل الطحين قرب "محور نتساريم"، في محاولة لتأمين قوت أبنائهم.
وقال المواطن أحمد صيام، الذي نجا الأسبوع الماضي من مجزرة كبيرة قرب "محور نتساريم"، إن الوضع هناك كارثي، وكل من يتوجهون إلى محيط المحور يعلمون مسبقاً أنهم قد لا يعودون بسبب خطورة المكان، وتعمّد قتلهم من قبل قوات الاحتلال، لكنهم لا يملكون خياراً سوى التوجه إلى المحور المذكور وغيره من مراكز المساعدات، في ظل المجاعة والحصار الحاليين.
وأشار صيام إلى أن جيش الاحتلال يستهدف المجوعين بالرصاص بشكل كثيف، وتُسقط المُسيّرات القنابل والصواريخ عليهم، ولا يشفع لهم صراخهم واستغاثاتهم، وكأن مشاهد قتلهم باتت من المشاهد الممتعة التي يمارسها جنود الاحتلال بشكل يومي.
من جهته، أكد المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، أن الاحتلال حوّل مؤخراً نقاط توزيع المساعدات في قطاع غزة إلى "ساحات للقتل الجماعي"، عبر تبني نموذج يعمل على استدراج المدنيين إلى مناطق "محددة ومكشوفة" ومن ثم تعريضهم لـ"القتل والإصابة والاعتقال والمعاملة القاسية والمهينة".
وحمّل المرصد "مؤسسة غزة الإنسانية" (المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة)، المسؤولية المباشرة عن تصاعد "الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين المجوّعين قرب مراكز توزيع المساعدات وسط وجنوب قطاع غزة".
وأوضح المرصد أن الآلية التي تتبعها هذه المؤسسة قائمة على "استدراج آلاف المدنيين يومياً إلى مركزين وسط وجنوب القطاع، حيث يُجبر المُجوّعون على السير في مسارات طويلة ومكشوفة تمتد لعدة كيلو مترات، قبل أن يتعرضوا لإطلاق نار مباشر من مسيّرات ومروحيات وآليات الجيش".
وذكر أن مَن "يحالفه الحظ" وينجو من هذه الجرائم الإسرائيلية ويصل إلى مراكز التوزيع لا يحصل إلا "على كميات ضئيلة من الطعام لا تُلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للبقاء".
وطالب المرصد بـفتح تحقيق دولي مُستقل، عن دور مؤسسة غزة الإنسانية، ومحاسبة القائمين عليها جنائياً عن الجرائم التي أسهموا في تنفيذها، داعياً الجهات المانحة إلى وقف أي دعم مالي أو لوجستي يصل للمؤسسة، فضلاً عن إدراجها ضمن "القوائم السوداء للكيانات المتورطة في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي".
"مشاهدة الصواريخ"
باتت الصواريخ الإيرانية التي تنطلق كل ليلة باتجاه أهداف في عمق إسرائيل، من المشاهد المُفضلة للمواطنين في قطاع غزة، والتي ينتظرونها بشغف، ويراقبونها، ويطلقون عليها "الحفلة الليلية".
وبمجرد رؤية وميض الصواريخ وهي تُحلّق في الأجواء ليلاً، يخرج عشرات الآلاف من النازحين إلى الشوارع، وترتفع رؤوسهم إلى السماء، وهم يراقبون الصواريخ وهي تُحلّق بضوئها الأحمر الساطع، بينما تفشل الصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية في التصدي لها، وسط تكبيرات وتهليل تعبيراً عن الفرح.
ولم يُخفِ النازحون المثقلون بالهموم والحزن، فرحتهم برؤية الصواريخ وهي تنطلق باتجاه أهداف إسرائيلية، وأكدوا أن سعادتهم تتمثل في رؤية الصواريخ وهي تنهال على رؤوس من آذاهم وقتل أبناءهم، وشردهم عن ديارهم، وهم يرونهم الآن يتجرعون من نفس الكأس.
وقال المواطن عبد الله الشاعر، وقد تابع مقاطع فيديو وصوراً خرجت من مناطق إسرائيلية تعرضت للقصف الإيراني، إن ما شاهده من داخل تل أبيب وحيفا، جعله يشعر للوهلة الأولى بأنه في خان يونس، من شدة الدمار الذي لحق بالمباني والبنية التحتية، كما أن مشهد الإسرائيليين وهم يتكدسون في الملاجئ وسط حالة من الرعب والحزن، بعد أن تركوا بيوتهم الآمنة، يشبه، إلى حد بعيد، مشاهد النازحين الفلسطينيين، الذين أجبرهم الاحتلال على النزوح والتكدس في مواصي خان يونس وغيرها من المناطق.
بينما أكد نازحون أن مشاهد الحرائق التي تندلع بعد القصف الإيراني اليومي، تشبه، الى حد بعيد، مثيلاتها التي كانت تحدث في غزة، فبينما كان جنود الاحتلال يتلذذون بحرق المنازل بشكل متعمد في رفح، وخان يونس، ومدينة غزة، وشمال القطاع، ها هي الحرائق تلتهم بيوتهم، ومنشآتهم، ويتجرعون ذات الكأس الذي كانوا يجرعونه لسكان القطاع.
في حين، قال المواطن ياسر عثمان إن الكثير من المشاهد في مناطق تل أبيب وحيفا تشبه، إلى حد كبير، مشاهد سبق وأحدثها الاحتلال في غزة، وأكثر ما لفت انتباهه مشهد بحث الدفاع المدني الإسرائيلي عن عالقين تحت الركام، خاصة في منطقتي "تل أبيب" وبات يام"، وهذا يتطابق مع مشاهد بحث الدفاع المدني الفلسطيني عن عالقين تحت أنقاض بيوت جرى قصفها في غزة، وكأنهم يتذوقون الآن بعض ما ذاقه أهل غزة على مدار نحو 21 شهراً.
الحصار يضاعف نسب البطالة
تسبب الحصار الإسرائيلي الأخير، المتواصل منذ أوائل شهر آذار الماضي، في رفع نسب البطالة المرتفعة أصلاً في قطاع غزة، وأدى إلى شلل اقتصادي إضافي في الأسواق.
فقد حرم الحصار الإسرائيلي أصحاب المهن الصغيرة، مثل الباعة، وصانعي الحلوى والمعجنات، وأصحاب أفران الطين، والسائقين وغيرهم، من مصادر دخلهم، بعد وقف وصول مدخلات الإنتاج، والسلع الرئيسية، وغيرها.
وبيّن المواطن عبد الرحمن أبو حماد، وهو نازح في مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، أنه أقام مشروعاً صغيراً لصناعة الحلوى والمعجنات، وكان يبيع إنتاجه لباعة متجولين، ويُنتح بالتعاون مع زوجته وأبنائه، كمية يومية من الحلوى، لكن ومنذ تشديد الحصار، ومنع دخول السكر والطحين، والسميد، وباقي مدخلات الإنتاج، توقف مشروعه عن العمل، وفقدَ مصدر دخله الوحيد، كما فقدَ باعة متجولون كانوا يعتمدون على إنتاجه، مصادر دخلهم كذلك.
وأكد أبو حماد أن كوارث الحصار لا تتوقف عند المجاعة فقط، بل تسببت في فقدان المواطنين أعمالهم، وها هو ينتظر حدوث انفراجة ليعود إلى عمله، وبات يعتمد على مراكز المساعدات الأميركية التي يتعرض فيها للخطر اليومي، حتى يوفر قوت أبنائه الذين يتضورون جوعاً.
أما الشاب سليمان عطية فأشار إلى أنه كان يعمل بائع مواد غذائية في الأسواق، خاصة السكر، وزيت الطعام، والأرز، وغيرها من السلع الأساسية، لكنه ومنذ تشديد الحصار فقدَ عمله، وساءت أحواله وأحوال أسرته التي كانت تعتمد على ما يدره من دخل لتوفير قوت يومهم.
ولفت إلى أنه بدأ مؤخراً بالمتاجرة في المساعدات التي يجلبها البعض من المراكز الأميركية، وهي تجارة سيئة لا يرضى عنها، بسبب ارتفاع الأسعار، ومعظم السلع التي يشتريها يجلبها الشبان بصعوبة شديدة، ويواجهون الموت والخطر.
وأعرب عطية عن أمله بأن يتم فتح المعابر، وعودة السلع إلى قطاع غزة، ليعود إلى مهنته مجدداً، ويوفر متطلبات أسرته التي تعاني من الجوع.
كما أفقد الحصار المشدد مئات السائقين والصيادين والمزارعين أعمالهم، وأدى إلى تدهور حاد في الأوضاع المعيشية في قطاع غزة.
أخبار متعلقة :