د. جاسم المناعي*
لا شك أن الحرب، التي نتمنى أن تكون قد توقفت الآن بين إسرائيل وإيران، لها كلفة باهظة جداً، مالياً وبشرياً وعمرانياً واقتصادياً بشكل عام. على صعيد الخسائر البشرية، ونظراً لعدم وجود اشتباكات ومواجهات مباشرة على الأرض بين جيوش هاتين الدولتين، فإن ضحايا الهجمات الجوية على الجانبين تبدو محدودة نسبياً. أما الخسائر على الصعيد المالي ومرافق البنية التحتية، فتبدو هائلة جداً على الطرفين. بالنسبة لإسرائيل فإن التكاليف المالية، تبدو عالية جداً خاصة إذا استمرت الحرب لفترة أطول من المتوقع.
وتقدر التكاليف المالية على إسرائيل بمئآت الملايين من الدولارات في اليوم الواحد. وفي حال استمرت الحرب، لمدة شهر على سبيل المثال، فإن التكاليف المالية التي يمكن أن تتكبدها إسرائيل، قد تصل إلى 12 مليار دولار. وحسبما يبدو فإن أهم عنصر في التكاليف المالية، الذي تتكبده إسرائيل في هذه الحرب، هو قيمة الصواريخ الاعتراضية، التي تستخدم للتصدي للصواريخ القادمة من إيران، حيث يكلف ذلك إسرائيل نحو 100 مليون دولار في اليوم. والعنصر الثاني المكلف عليها، هو الطائرات الحربية والعتاد المستخدم في هذه الحرب.
أضف إلى ذلك، تكاليف المباني المهدمة أو المتضررة من جراء الصواريخ الإيرانية، والتي تقدر تكاليفها بأكثر من 400 مليون دولار.
ويجمع المحللون على أن الاقتصاد الإسرائيلي، يمكن أن يتحمل هذه التكاليف، في حال اقتصرت مدة هذه الحرب على فترة قصيرة نسبياً. أما إذا امتدت الحرب لفترة أطول من ذلك، فلا أحد يعلم ما سوف يكون عليه وضع الاقتصاد الإسرائيلي في هذه الحالة. حتى الآن أطلقت إيران أكثر من 500 صاروخ، وهذا يعني أن إسرائيل تحتاج إلى نظم دفاعية متقدمة للتصدي لهذه الصواريخ. وتستخدم إسرائيل بشكل أساسي نظامين لاعتراض مثل هذه الصواريخ. النظام الأول ويستخدم للتصدي للصواريخ متوسطة المدى، والذي يكلف نحو 700 ألف دولار كل مرة يتم فيها تشغيله. أما النظام الثاني، فهو مخصص للصواريخ بعيدة المدى وتكاليفه تتراوح بين 3-4 ملايين دولار في كل عملية اعتراضية. هذه التكاليف لا تشمل بالطبع تكاليف الطائرات الحربية التي يقدر عددها بأكثرمن 30 طائرة، تقوم بقصف الأجواء الإيرانية، حيث يمكن أن تصل تكاليف الواحدة منها إلى نحو 10 آلاف دولار كل ساعة طيران، هذا عدا عن تكاليف العتاد من قنابل وصواريخ، وكذلك تكاليف التزود وإعادة التزود بالوقود. ونظرا لهذه التكاليف الباهظة، فإن الاقتصاد الإسرائيلي أصبح على ما يبدو وبشكل عام، في حالة أشبه بالشلل، وذلك منذ أن اندلعت الهجمات الصاروخية الإيرانية. كثير من المؤسسات الاقتصادية توقفت عن العمل، خاصة المطاعم والفنادق، كما أن مطار بن غورين الرئيسي أصبح نادراً ما يعمل، كما توقفت السياحة المعتادة.
ويقدر بأن هناك اكثر من 5 ألاف إسرائيلي تضررت منازلهم، وتم إسكانهم في بعض الفنادق، التي يتم دفع تكاليفها من قبل الدولة. كذلك فإن أكبر مصافي تكرير النفط الواقعة شمال إسرائيل، تضررت، نتيجة للهجمات الصاروخية الإيرانية، مما اضطر إسرائيل إلى إيقاف العمل به في الوقت الحالي.
في قطاعات أخرى، تم إصدار التعليمات بعدم ضرورة قدوم الموظفين والعمال إلى أعمالهم، والبقاء في منازلهم حتى إشعار آخر. وبالطبع، فإن المدارس لا تزال مغلقة. كل هذه التكاليف والخسائر تنعكس على شكل إضعاف للاقتصاد الإسرائيلي، حيث مقارنة بما كان يحققه من معدلات نمو كانت تفوق 4% سنوياً، فإن تكاليف هذه الحرب لن تتيح لإسرائيل تحقيق مثل هذه المعدلات من النمو، هذا إذا استطاعت تحقيق أي نمو على الإطلاق.
على صعيد إيران، فإن الخسائر والتكاليف، تكاد تكون لا تحصى، هذا إذا لم تكن أكثر فداحة. التكاليف البشرية تبدو كبيرة، خاصة على مستوى القادة العسكريين وعلماء الذرة، الذين يصل عددهم وفقاً لبعض التقديرات إلى 17 عالماً. أما بالنسبة للدمار الذي لحق بالبنية الأساسية والمطارات والمفاعلات النووية، خاصة بعد الضربة الجوية الأمريكية الأخيرة، فمن الصعب حالياً تقدير حجم تكاليفها، إلا أنها بدون شك هائلة جداً.
كما أن الوضع بالطبع أصعب أيضاً، فيما يتعلق بتقدير الأضرار، التي لحقت بمخازن الصواريخ ومنصات اطلاقها. وغني عن الذكر أن هذه الأضرار الجسيمة، تحتاج إلى حشد أموال كبيرة جدا للتعافي منها، غير أن الاقتصاد الإيراني ليس حالياً في وضع يمكنه من تعبئة ما يعوض الخسائر الضخمة، لا سيما وأنه منهك، منذ عدة سنوات، جراء العقوبات المفروضة عليه.
وتأتي هذه الحرب لتزيد الطين بلة، حيث إن الإيرادات النفطية، التي تعتمد عليها إيران بشكل رئيسي تقلصت كثيراً بسبب العقوبات، فمستوى إنتاج النفط، الذي كان قبل فرض العقوبات يزيد على 3.4 مليون برميل في اليوم، تقلص بشكل كبير على إثر فرض العقوبات، وحتى صادرات إيران من النفط، انخفضت بشكل كبير إلى حدود 240 ألف برميل، ومنذ بداية هذه الحرب لم تستطع إيران بيع اكثر من 100 ألف برميل فقط. وإن جزيرة خرج، التي تصدر إيران عن طريقها نحو 90% من إنتاجها النفطي، أصبحت، ومنذ بدء هذه الحرب، لا تعمل تقريباً، كما لم يتم رصد أي ناقلة نفط تأتي أو تقترب من هذه الجزيرة.
وحسبما يبدو، فإن إيران لم تعد قادرة على بيع كميات كافية من النفط لتمويل ليس فقط عملياتها العسكرية، ولكن حتى المعيشية. ونتيجة لهذا الوضع فإن العملة الإيرانية التومان، فقدت الكثير من قيمتها. فحتى قبل نشوب هذه الحرب، ومنذ غعادة فرض العقوبات، عام 2018، فقدت العملة الإيرانية حوالي 80% من قيمتها، ومنذ بداية هذه الحرب فقدت أكثر من 10% إضافية، أي أنها فقدت، منذ عام 2018، وحتى الآن ما يتراوح في حدود 90% من قيمتها. ومثل هذا الوضع أثر بطبيعة الحال على القوة الشرائية للمستهلك الإيراني، كما أدى ذلك إلى ارتفاع معدل التضخم في إيران إلى مستوى في حدود 40-50%.
على كل حال، فإن تكاليف هذه الحرب على الطرفين في تزايد مع استمرار العمليات العسكرية، كما أنه وغني عن الذكر بأن تكاليف هذه الحرب لا تقتصر على طرفي النزاع فقط، ولكن تنسحب أيضاً على عدة قطاعات اقتصادية في دول أخرى مجاورة، لذلك نأمل بان تتوقف هذه الحرب في أقرب وقت ممكن ليس لمصلحة طرفي النزاع فقط، ولكن للحفاظ على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المهمة من العالم.
*الرئيس السابق لصندوق النقد العربي
أخبار متعلقة :