الكويت الاخباري

المعركة الصامتة على عرش العملة العالمية - الكويت الاخباري

تلعب الاعتبارات الجيوسياسية الآن دورًا أكثر بروزًا في التحولات الاقتصادية. ولعل استخدام الدولار كسلاح لا سيما من خلال نظام العقوبات المالية الأمريكي كان واحداً من تلك الاعتبارات الجيوسياسية، التي دفع العديد من الدول إلى إعادة النظر في جدوى الاحتفاظ بأصولها بالدولار الأمريكي بشكل أساسي. وينصبّ الاهتمام على الاستقلالية الإستراتيجية أكثر من الاهتمام بالأساسيات الاقتصادية. وبات القلق يتصاعد لدى العديد من الدول: ما حدود الأمان في الاستمرار بالاعتماد على نظام مالي تُمارَس من خلاله العقوبات كسلاح سياسي؟

لسنوات طويلة، ظل النظام النقدي العالمي ومازال تحت هيمنة الدولار الأمريكي، الذي شغل دور العملة الاحتياطية الأولى، والأداة الرئيسية للتبادل التجاري، والمعيار المرجعي لمعظم الاقتصادات، لكن المتغيرات المتسارعة، اقتصاديًا وتقنيًا وجيوسياسيًا، بدأت تُعيد تشكيل هذه المعادلة التقليدية، مما قد يمهّد الطريق نحو نظام نقدي أكثر تنوعًا وتعددية وإن كان هذا الأمر يسير بوتيرة بطيئة.

في حين لا يزال الدولار مهيمنًا اليوم، إلا أن هناك تحولات جوهرية تُسرّع التوجه نحو تنويع أكبر للعملات. ومن أهم هذه العوامل الهيكل المتغير للاقتصاد العالمي. ومع تنامي النفوذ الاقتصادي لدول مثل الصين ومنطقة اليورو، بدأت عملتا الرنمينبي واليورو تقتطعان تدريجيًا من حصة الدولار في التجارة العالمية واحتياطيات البنوك المركزية، دون أن تشكّلا بدائل مباشرة له حتى الآن. وقد بدأت البنوك المركزية بتنويع احتياطياتها من النقد الأجنبي، ليس بالضرورة لاستبدال الدولار كليًا، بل لتخفيف المخاطر وتقليل الاعتماد المفرط على عملة واحدة.

في الوقت نفسه، يُعيد الابتكار التكنولوجي تشكيل البنية التحتية المالية العالمية. ومن المرجح أن يُسهّل صعود العملات الرقمية، بما في ذلك العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، على الدول التعامل بعملاتها المحلية، وأن يُنشئ أنظمة دفع تتجاوز القنوات التقليدية القائمة على الدولار. لن تُسقط هذه الأدوات الدولار بين عشية وضحاها، لكنها تُخفّض حواجز دخول العملات المنافسة، وتجعل النظام أكثر تجزئة ومرونة.

مع ذلك، لا أتوقع انهيارًا مفاجئًا لهيمنة الدولار. لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بأسواق رأس مال عميقة وسائلة، ومؤسسات قوية، وثقة عالمية، وكلها عوامل بالغة الأهمية لوضعها كعملة احتياطية. ومع ذلك، يبدو أن ما يزداد ترجيحًا هو إعادة التوازن تدريجيًا، أي الانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث يتقاسم الدولار دوره مع العملات الرئيسية الأخرى. من شأن هذا أن يعزز مرونة النظام المالي العالمي واستقراره من خلال توزيع القوة والمخاطر على نطاق أوسع.

باختصار، نحن لا نشهد نهاية عصر الدولار، بل ربما نشهد بزوغ فصل جديد في النظام المالي العالمي. فصل يتميز بالمنافسة والتنويع ونظام نقدي أكثر تعددية. إنه تحول يستحق المتابعة عن كثب، وسيُعيد تشكيل كيفية إدارة الدول لاحتياطاتها، وإجراء تجارتها، ونهجها في الدبلوماسية المالية في السنوات المقبلة.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :