23 أبريل 2025, 10:27 صباحاً
من منّا لم يرفع صوته صغيرًا بأنشودته الخالدة:
اللهُ ربُّ الخَلقِ
إذا دَعا الداعي يسهِّلُ الأُمورا
أمدَّنا بالرِّزقِ يحقِّقُ المَساعي
ويدفعُ الشُّرورا…
أنشودةٌ أخذت أبناء الجيل الذي تفتح مع كتب «المحفوظات» في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات – من مقاعد الخشب إلى رحابة الإيمان والعمل واليقين. لذلك بدا خبر رحيل صاحبها، الأديب والشاعر سعد بن عبد الرحمن البواردي (1348 – 1446هـ / 1930 – 2025م)، وكأنّ صفحة من كتاب الطفولة طُويت فجأة؛ فقد غاب عن 96 عامًا حافلة بالعطاء الإبداعي والإنساني.
سيرة «عاشق الكلمة»
•المولد والمنشأ: وُلد البواردي في شقراء سنة 1930 م (1348 هـ) لأسرة تولّى والدُها إمارة البلدة وكان شاعرًا شعبيًا.
•الرحلة التعليمية والمهنية: ابتدائية شقراء، ثم دار التوحيد بالطائف، مرورًا بالتجارب الوظيفية في عنيزة والشرقية، قبل أن ينشئ مجلة «الإشعاع» بالخبر 1955م ويصبح من روّاد الصحافة السعودية.
•كاتب مقالة رائد: يُعد من أوائل كُتّاب المقالة الأدبية في المملكة، واشتهرت زاويته الأسبوعية «استراحة داخل صومعة الفكر» في الجزيرة لأكثر من أربعة عقود، بأسلوب واعٍ ولغة راقية أثّرت وجدان جيلٍ كامل.
•الإنتاج الأدبي: عشرة دواوين شعرية وعشرات الكتب النثرية، تميّزت بعمق الفكرة وصدق التجربة (طالع الملحق أدناه لأبرز العناوين).
•التكريم: نال وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى عام 2014 تقديرًا لإسهاماته الأدبية.
«الله رب الخلق»… نشيدٌ يربّي جيلاً
•ظهرت الأنشودة في كتاب القراءة للصفوف الأولية حتى مطلع التسعينات الهجرية، تمزج التوحيد بالعمل الصالح وتحفّز على البذل والإحسان.
•مغزى النص بسيطٌ وعميق: الاتكال على الله، العمل، الإحسان، دفع الشرور، وتكريم المحسن؛ لذلك بقيت راسخة في الذاكرة الوطنية.
•بعد وفاته، اجتاحت وسائل التواصل عبارات حنين وصور للكتاب المدرسي القديم تثبّت مكانة النص وأثره.
أثره في المشهد الثقافي
•في الصحافة: نقل الزاوية الأدبية من الترف الثقافي إلى معالجة قضايا الناس، بلهجة ساخرة حينًا وأبوية حينًا آخر؛ فمهّد للمقال الواقعي-الاجتماعي الحديث.
•في الشعر: انحاز للإنسان وهمومه اليومية، بلغةٍ قريبة وصورٍ من الشارع والبيت؛ ففتح الطريق أمام جيل السبعينات لكتابة شعرٍ يُلقى على المسرح.
•في المناهج الدراسية: أُدرِجت نصوصه في كتب القراءة والإنشاد؛ فغرس قيم العطاء والتكافل وشكر النعمة في نفوس الصغار.
•في التواصل العربي: حضوره في بيروت والقاهرة وملتقيات عربية كبرى ربط التجربة السعودية بالمشهد الثقافي الأوسع، فكان همزة وصل حقيقية.
شهادات تصدح بالحزن والامتنان
•الأمير فيصل بن بندر بعث برقية عزاء مؤكدًا أنّ الراحل «جعل من الكلمة رسالة بناء ووعي».
•جريدة الرياض نوّهت إلى أنّه «طوى شريط الذكريات بعد مسيرة سبعين عامًا مع الحرف».
•كتّابٌ شبّان أعادوا نشر أغلفة دواوينه الأولى «وفاءً لمن علّمنا أن نحاور الواقع لا أن نهرب منه».
لماذا يهزّنا رحيله؟
1.لأننا فقدنا جزءًا من الطفولة. صوت المعلم وهو يردّد «الله رب الخلق» يمرّ الآن كشريط سينمائي.
2.ولأننا خسرنا شاهدًا على تطوّر البلاد. امتدّت تجربة البواردي من صحافة الأفراد الورقية إلى وسائط الإعلام الرقمي.
3.ولأنه أكّد بفعله قبل قوله أن الثقافة ليست ترفًا، بل ممارسة يومية لصنع إنسانٍ أوعى وأعدل.
«استراحة داخل صومعة السماء»
يغادر سعد البواردي تاركًا في الرفوف دواوين، وفي أرشيف الصحف مقالات، وفي ذاكرة المدارس نشيدًا لا يشيخ.
رحم الله الشاعر الذي جعل من الكلمة بذرةً، ومن الذكرى جسرًا إلى الغد.
«يبرُّ كلَّ مؤمنٍ صدقًا وإن يوحِّدَا» – وما أجمل أن يكون آخر ما نهمس به هو نفسه ما علّمنا أن نردده صغارًا.
أبرز مؤلفاته الشعرية والنثرية في الشعر
•أغنية العودة (1962) – ذرّات في الأفق (1962) – لقطات ملوّنة (1963) – صفارة الإنذار (1967) – رباعياتي (1971) – أغنيات لبلادي (1981) – إبحار ولا بحر (1984) – قصائد تتوكأ على عكاز (1988) – قصائد تخاطب الإنسان (1989) – حلم طفولي (2000).
في النثر والمقالة
•فلسفة المجانين (1958) – شبح من فلسطين – أجراس المجتمع – ثرثرة الصباح – حتى لا نفقد الذاكرة – وللسلام كلام – رسائل إلى نازك – حروف تبحث عن هوية – إطلالة حول العالم – ستة أجزاء من استراحة داخل صومعة الفكر – كلمات للحياة – أفكار مضغوطة – ثرثرة الظهيرة – شريط الذكريات – نافذة على عالمنا العجيب.
دراسات وتجارب
•تجربتي مع الشعر الشعبي – أبيات وبيات – مثل شعبي في قصة.
أشار في المجلّد الخامس من استراحة داخل صومعة الفكر إلى مخطوطاتٍ لم تُنشر بعد، منها «من يشتري التاريخ مني» و«عفوًا بغداد» و«قصائد للصغار» وغيرها.
الفقيد في سطور
•وُلد في شقراء 1930م، وتوفي 2025م عن 96 عامًا.
•رائد صحافة وشعر واقعي، وصاحب الأنشودة المدرسية الشهيرة «الله رب الخلق».
•أنشأ مجلة الإشعاع، وداوم على زاوية «استراحة داخل صومعة الفكر».
•أصدر ما يزيد على 40 كتابًا بين شعرٍ ونثرٍ ودراسات.
•حاز وسام الملك عبد العزيز (2014)، ورحيله أطلق موجة حنين وطنية.
أخبار متعلقة :