كتب محمد الجمل:
يعيش سكان قطاع غزة تحت وطأة القصف والدمار والحصار، وتتواصل فصول المعاناة بكافة أشكالها، بينما تشتد المجاعة، ويتقلص دور المؤسسات الإغاثية الدولية، خاصة وكالة الغوث "الأونروا".
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من داخل قطاع غزة، منها مشهد يرصد تراجعاً كبيراً في الخدمات التي تقدمها "الأونروا" لسكان القطاع، ومشهد آخر يوثق تداعيات ومخاطر النقص الحاد في حليب الأطفال، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "مخاطر أشعة الشمس".
تراجع خدمات "الأونروا"
حدث في الأسابيع الماضية تراجع حاد وغير مسبوق في شتى الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث الدولية "الأونروا" لسكان قطاع غزة، وبات مواطنون يشعرون وكأن المنظمة لم تعد موجودة أصلاً.
وبعد توقف التعليم في مدارسها، ووقف توزيع المساعدات الإغاثية فيما تبقى لها من مراكز، باتت عيادات الرعاية الأولية الصغيرة المنتشرة في مناطق تكدسات النازحين آخر ما تبقى لوكالة الغوث، وإن كانت هذه الخدمة غير كاملة، ويشتكي معظم المترددين على تلك العيادات من نقص في الأدوية والخدمات.
وذكر المواطن سامي رضوان أنه قبل اندلاع العدوان على غزة كانت "الأونروا"، تقدم جملة من الخدمات الأساسية، منها التعليم المجاني من الصف الأول الأساسي حتى التاسع، وخدمات تنظيف المخيمات من خلال فرق تنظيف متخصصة، وكذلك خدمات صحة من خلال عشرات مراكز الرعاية الأولية المنتشرة في القطاع، عدا خدمات الطوارئ التي تشمل توزيع سلال غذائية على الفقراء، وبرامج تشغيل مؤقت وغيرها، لكن منذ بداية العدوان بدأت هذه الخدمات تتراجع وتتقلص، وصولاً إلى الفترة الحالية، التي لم تعد "الأونروا" تعمل فيها، وباتت المؤسسة، التي ظلت ترعى اللاجئين لعقود، تقف اليوم عاجزة عن مساعدتهم في ظل الأزمة الكبيرة وحالة الجوع المُستشرية.
وأشار إلى أن الاحتلال بات يستهدف المؤسسة الأممية، وعمل طوال السنوات الماضية على إضعافها، والآن يعمل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول، على إنهاء وجودها بشكل كامل، معرباً عن خشيته من حدوث ذلك، فتوقف "الأونروا"، أو إنهاء عملها يعتبر بمثابة كارثة لعموم اللاجئين، وستترتب عليه كوارث كبيرة في المستقبل.
وحذر مفوض عام "الأونروا"، فيليب لازاريني، من أن الوكالة تواجه خطر الانهيار بسبب نقص بواقع 200 مليون دولار في التمويل خلال العام الجاري.
وقال لازاريني: إنّ عمل الوكالة مضمون لمدة شهرين آخرين فقط، مشيراً إلى أن هناك حاجة لـ60 مليون دولار شهرياً لدفع الرواتب، وأن الوكالة ستكون عاجزة عن القيام بمهامها بعد الشهرَين المقبلين.
وأضاف: "بصورة أساسية، ليس لدينا أي رؤية لما بعد أيلول المقبل"، موضحاً أنه من دون تمويل إضافي، سوف يضطر قريباً لاتخاذ قرارات غير مسبوقة تتعلق بخدمات الوكالة للاجئين الفلسطينيين في أنحاء المنطقة.
شح في حليب الأطفال
يعاني عشرات الآلاف من الأطفال الرُضع من سوء تغذية حاد، مع عدم قدرة أمهاتهم على إرضاعهم بسبب المجاعة الحادة وسوء التغذية، ما يُجبر الآباء على جلب الحليب الصناعي المُخصص للأطفال الرضع.
لكن غالبية الآباء يعانون جراء شح الحليب في الأسواق، بسبب الحصار ومنع توريده، مع ارتفاع كبير على أسعار المتوفر منه، بما يتجاوز 700%، وأحياناً أكثر من ذلك، مع فقد أنواع كثيرة من الأسواق المحلية، وعدم توفرها حتى في المستشفيات ومخازن وزارة الصحة.
وبيّن المواطن محمد توفيق أن زوجته وضعت مولودها الثاني منذ نحو شهرين، لكنها منذ 25 يوماً لا تستطيع إرضاعه، بسبب المجاعة وقلة الطعام، وهذا دفعه للبحث عن حليب مجُفف مخصص للأطفال في شهورهم الأولى، وقد اكتشف أنه شبه مفقود في السوق، وفي حال توفره تكون أسعاره مرتفعة، وهذا جعله يواجه مشكلة، ويعيش في دوامة من البحث، متنقلاً بين بعض محافظات القطاع، ويجد بعض العلب الصغيرة بصعوبة وبأسعار مرتفعة.
وأكد توفيق أن حياة ابنته باتت تتوقف على قدرته على توفير الحليب، والأمور تزداد صعوبة مع استمرار فرض الحصار، ومنع وصول السلع إلى قطاع غزة، معرباً عن خشيته على حياة طفله.
من جهتها، قالت وكالة الغوث "الأونروا": إن إمدادات حليب الأطفال لديها تكاد تنتهي في قطاع غزة، ما يُعرّض حياة أكثر من 8500 رضيع للخطر.
وأوضحت "الأونروا" أن 6 صناديق من حليب الأطفال هي فقط ما تبقّى، في حين يعتمد عليها نحو 8500 رضيع في القطاع.
وشددت على أن نقص الإمدادات يُعرّض حياة الرضع وأكثر من 200 ألف شخص يعتمدون على خدماتها للخطر في قطاع غزة، مبينة أن نحو 19 ألف طفل في القطاع دخلوا المستشفى بسبب سوء التغذية الحاد خلال الأشهر الأربعة الماضية، وأكدت أن العدد تضاعف عما كان عليه مطلع العام الحالي.
مخاطر أشعة الشمس
مع دخول فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، بات التعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر واحداً من أكبر المشاكل والمخاطر التي يتعرض لها النازحون.
ويواجه النازحون، خاصة الأطفال، مخاطر الإصابة بضربات الشمس، لا سيما من يضطرون للبقاء تحت أشعتها دون حماية، كالباعة المتجولين، أو الباحثين عن الطعام في المطابخ المجانية "التكايا"، أو من يعيشون في خيام بالية، لا تقيهم من الأشعة الخطيرة.
ومن بين المشكلات التي تسبب بها ارتفاع درجات الحرارة، والتعرض لأشعة الشمس، زيادة استهلاك المياه، خاصة مياه الشرب، وهذا يعتبر أمراً كارثياً في ظل حياة النزوح، وشح المياه، ما يتطلب البحث عن مصادر جديدة للمياه، والمشي مسافات أطول، ومحاولة توفير سعات تخزينية جديدة.
كما تسببت أشعة الشمس القوية، في سرعة اهتراء الخيام وتمزقها، خاصة أن معظمها أقيمت من قماش رقيق، أو قطع من "الشادر" القديم والمتهالك، وهذا أضاف أعباء جديدة على أرباب الأسر، ودفع أولياء الأمور للبحث عن بدائل، حتى لا تبقى عائلاتهم تحت تأثير أشعة الشمس المباشرة.
ووفق أطباء ومتابعين، فإن الحر الشديد والتعرض الطويل لأشعة الشمس المباشرة، خاصة خلال ساعات الظهيرة، تسببا بمشاكل صحية كبيرة، منها التعرض لضربات الشمس، وأعراضها صداع شديد، وارتفاع في درجات الحرارة، وقيء أحياناً، وهي أكثر تأثيراً على الأطفال.
كما تسببت أشعة الشمس في إصابة آلاف النازحين بحروق متفاوتة الدرجات في الجلد، وصلت في بعض الأحيان إلى حاجة بعضهم لتلقي علاجات في مستشفيات ومراكز صحية، عدا إصابة الأطفال ببقع بيضاء تظهر على وجوههم، وهذا سببه جفاف الجلد بسبب أشعة الشمس.
وقال المواطن يحيى هاشم، الذي يقطن في منطقة المواصي: إن أطفاله يقضون معظم النهار تحت أشعة الشمس، إما خلال البحث عن المياه، أو من أجل البيع، حيث يعمل بعضهم باعة متجولون، وهذا أدى إلى إصابة أحدهم بضربة شمس قوية، أرقدته في الفراش عدة أيام، بينما أصيب أحدهم بحروق في الجلد، تمثلت في تغير لون جلده إلى اللون البني المائل للأسود، وحدوث تقشر في الجلد، بينما يُعاني الآخرون من مشكلات مشابهة.
وأشار هاشم إلى أن قبعات الرأس مفقودة من قطاع غزة، ولا توجد وسيلة لحماية النازحين من أشعة الشمس، وكل يوم يمر عليهم تزداد معاناتهم بسبب هذه المشكلة، معتقداً أن التعرض الطويل للشمس المباشرة ستنتج عنه حتماً مشكلات صحية مستقبلية، مثل سرطانات الجلد، أو مشكلات صحية أخرى.
أخبار متعلقة :