الكويت الاخباري

"الأيام" ترصد مشاهد من قلب المجاعة المستشرية في القطاع - الكويت الاخباري

 

كتب محمد الجمل:

 

لا تزال المجاعة تفتك بعموم المواطنين في قطاع غزة، وغالبية الناس يقضون جل وقتهم في البحث عن مصادر للطعام، ومنهم من يخاطرون بأرواحهم في سبيل ذلك، بينما أثرت تلك المجاعة على أجساد سكان القطاع، وانهكتهم، وخلفت تداعيات صحية كبيرة عليهم.
"الأيام" خصصت مشاهد اليوم لتسليط الضوء على المجاعة المستشرية في القطاع وآثارها، منها مشهد بعنوان "صدمة الميزان"، ومشهد آخر يرصد الصراع من أجل البقاء الذي يخوضه يومياً الآباء لمحاولة إطعام عائلاتهم، ومشهد ثالث يوثق تزايد أعداد الوفيات بسبب سوء التغذية والمجاعة.

 

صدمة الميزان
في أحد الشوارع بمواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة، كان يجلس بائع أمام كومة كبيرة من الحطب، وأمامه ميزان الكرتوني كبير، يستخدمه في توزيع الحطب للزبائن، لكن الميزان يلفت انتباه المارة، فيستأذن بعضهم من البائع لوزن أنفسهم، ويحرك البائع رأسه إيماءً بالموافقة.
وبمجرد أن يقف الشخص على الميزان وينظر إلى شاشته الرقمية، تظهر علامات الدهشة بل الصدمة على وجهه، حيث تُشير الأرقام إلى انخفاض حاد في أوزان الناس، بسبب المجاعة وتداعياتها.
المواطن سمير مطر، أحد الأشخاص الذين صعدوا على الميزان وقف صامتاً من شدة الصدمة، مؤكداً أنه وزنه قبل الحرب كان 95 كلغم، وحتى بداية شهر آذار الماضي خسر 20 كلغم من وزنه، وفي ظل المجاعة الحالية التي بدأت مطلع آذار الماضي فقد 10 كلغم إضافية من وزنه.
وأكد أن الأمر لا يقف عند فقد كيلوغرامات من وزنه، بل يصل إلى اعتلال في صحته، وعدم قدرة على ممارسة نشاطه اليومي المعتاد، مع شحوب في الوجه، وضعف عام.
وأوضح أنه يتناول أقل من ثلث كمية الطعام التي كان يتناولها سابقاً، ومعظم الأكل عبارة عن بقوليات، ولا يوجد فواكه، ولا خضروات، ولا غيره من الأصناف المغذية.
بينما يقول المواطن صلاح شحدة، إنه لاحظ تراجع صحته، ونحافة جسده، خاصة خلال الشهرين الماضيين، وحين وقف على الميزان صدم بأنه فقد 15 كيلوغراماً من وزنه خلال 50 يوماً، لدرجة أنه لم يصدق، وظن أن الميزان به خلل، وبحث عن غيره حتى يتأكد، وكانت نفس النتيجة، ما أصابه بحزن وإحباط شديدين.
وأكد شحدة أنه لم يعش أو حتى يسمع أن أجداده عاشوا مجاعة مماثلة، فالوضع كارثي، والحصار على أشده، بينما تقطع عصابات اللصوص الطريق على المساعدات، وتنهبها، وتمنع وصولها لمستحقيها من الجائعين في القطاع.
وأشار إلى أن المجاعة في القطاع وصلت لمرحلة الخطر، والناس تفقد أوزانها وصحتها، وقد يصل الأمر لحد حدوث وفيات جماعية، خاصة أن غالبية العائلات لا تستطيع شراء الطعام من الأسواق بأسعاره الحالية، ولا يوجد مطابخ خيرية تقوم على توزيعه مجاناً كما كان يحدث في السابق.
وشهدت الفترة الماضية وفاة العديد من المواطنين بسبب المجاعة، غالبيتهم أطفال، ومنهم مرضى وكبار في السن.

 

صراع من أجل البقاء
يخوض عشرات الآلاف من الآباء والأبناء الكبار ما بات يوصف بأنه صراع من أجل البقاء، في محاولة لتأمين قوت عائلاتهم، حتى وإن تطلب الأمر منهم خوض مغامرات خطيرة، قد تودي بحياتهم.
ووفق آراء رصدتها "الأيام" للعديد من الآباء والمواطنين، فإن الناس خارج غزة يعيشون الحياة من أجل الاستمتاع والترفيه، لكن في غزة يقضون وقتهم في صراع من أجل الحفاظ على أرواح عائلاتهم، وتوفير ولو الحد الأدنى من الطعام الذي يبقيهم أحياء.
ويقول المواطن محمود العمور، إنه وبعدما أُوصدت في وجهه جميع الأبواب، ولم يعد أمامه أي مجال لتوفير الطعام لعائلته، أمر نجله البكر بالتوجه لمركز توزيع المساعدات الأميركية، لجلب الطعام لأفراد عائلته، وهو يعلم مسبقاً أن قد يعود إليه جثة هامدة، أو ربما يفقد هناك ولا يعرف مصيره، لكن حاجتهم للطعام كبيرة، جعلته يقامر بحياة ابنه.
وأكد أنه لا يمتلك أي مال لشراء الطعام من السوق في ظل الأسعار الخيالية، ولا يوجد مطابخ مجانية "تكيات"، توزع الطعام، موضحاً أن نجله يعود أحيانا ببعض الطعام، وفي مرات عديدة يفشل بسبب التزاحم، لكنه لا يمتلك خياراً آخر سوى تكرار المحاولات يومياً، وأحياناً يتوجه مرتين في اليوم "صباحاً ومساءً"، للمقرات المذكورة.
وأكد أنهم أحياناً يضطرون لبيع جزء مما جلبه ابنه من مساعدات لشراء الحطب، أو حاجيات أخرى.
بينما قال المواطن إسماعيل عاشور إنه يخرج كل يوم باحثاً عن الطعام، تارة يتوجه إلى تكيات ما زالت تعمل، ويقف في طابور طويل أملاً بالحصول على وجبة، وتارة أخرى يقصد مراكز المساعدات الأميركية، وأحياناً يقف بانتظار وصول شاحنات المساعدات عله يحصل منها على شيء.
وأكد أن حياته باتت صراع في صراع، ولا يهمه سوى أن ينجو بعائلته من هذه المهلكة والمجاعة العظيمة، وكل يوم يمر ويستطيع فيه توفير الطعام لهم يحمد الله ألف مرة، وفي أكثر من مرة نام جائعاً ليترك الفتات الذي جلبه لأبنائه.
وأشار إلى أن السكان في غزة يعيشون ظلماً كبيراً وغير مسبوق، ويتعرضون للتجويع المتعمد، والناس يكافحون من أجل البقاء، آملا بنهاية سريعة لما وصفه بالكابوس.

 

ارتفاع عدد ضحايا المجاعة
لا تزال المجاعة تحصد المزيد من الأرواح البريئة، خاصة الأطفال وكبار السن، بينما تتلقى المستشفيات المُنهكة في قطاع غزة، العشرات من المواطنين ممن يعانون سوء التغذية والضعف العام.
وعلى أسرّة المستشفيات يرقد أطفال وفتية ومسنون يعانون من المجاعة وتداعياتها، بينما يُحاول أطباء جائعون أيضاً إنقاذ أرواح المرضى بشتى الوسائل، رغم شح الإمكانات والموارد الطبية.
ووفق أحدث إحصائية صدرت عن الجهات الحكومية فقد ارتفع عدد الشهداء من الأطفال نتيجة سوء التغذية إلى 66 شهيداً منذ بدء موجة المجاعة الحالية، بينما لا يزال العشرات يواجهون درجات عالية من الخطورة، والمئات يُعالجون في المشافي جراء تداعيات المجاعة.
وعقّب المكتب الإعلامي الحكومي على ارتفاع عدد ضحايا المجاعة في غزة، مؤكداً أن هذا السلوك يمثل "جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، ويكشف عن تعمد الاحتلال استخدام التجويع سلاحاً لإبادة المدنيين وخاصة الأطفال، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف".
ويواجه الغالبية العظمى من الأطفال في غزة حرماناً شديداً من الغذاء حسبما أكدت 17 منظمة غير حكومية ووكالة تابعة للأمم المتحدة في تقرير "مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي".
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيدني مكين "تتضوّر الأسر جوعاً في غزة بينما يقبع ما تحتاجه من أغذية خارج الحدود... ولا يمكننا إيصال الأغذية إلى هذه الأسر بسبب النزاع المتجدِّد والحظر التام على إدخال المساعدات الإنسانية الذي فُرض في بداية آذار الماضي".
بينما أكدت منظمة الصحة العالمية إن نحو 112 طفلاً يدخلون المستشفيات بقطاع غزة يومياً لتلقي العلاج من سوء التغذية منذ بداية العام الجاري، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق.
في حين قال مدير جمعية الإغاثة الطبية في قطاع غزة، إن مستشفيات القطاع تستقبل يوميا 5 آلاف حالة من سوء التغذية، وأن التحدي الأكبر الذي يواجه القطاع الصحي عدم القدرة على علاج سوء التغذية، وأن ثمة حاجة إلى منظومة كاملة لعلاج سوء التغذية لدى أطفال القطاع، وهناك 56% من النساء الحوامل في القطاع يعانين من سوء التغذية، وهن بحاجة إلى أدوية غير متوفرة في القطاع لعلاج سوء التغذية.

 

أخبار متعلقة :