رام الله - وفا: قال الرئيس محمود عباس، "إننا نواجه مخاطر جمّة، هي أقرب ما تكون إلى نكبة جديدة تُهدد وجودنا، وتُنذر بتصفية قضيتنا الوطنية كلها، تنفيذاً لمخططات من صنعوا نكبة شعبنا الأولى، وصولاً إلى نكبة عام 1967، وبعد ذلك نكبة "الانقلاب" الآثم في عام 2007، الذي استخدمه عدونا لتمزيق نسيجنا الوطني، ولمنع قيام دولتنا المستقلة".
وأكد الرئيس، في كلمته خلال افتتاح أعمال الدورة الـ32 للمجلس المركزي الفلسطيني، في قاعة أحمد الشقيري، بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، ظهر أمس، أن تحركنا في شتى الميادين وعلى مختلف المستويات، عربياً وإسلامياً ودولياً، ينصبّ على تحقيق أولويات وطنية أربع، تمثل ضرورات اللحظة الراهنة، أمام التحديات التي تُواجه شعبنا وقضيتنا".
وشدّد، بهذا الخصوص، على أن وقف حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتعرض لها قطاع غزة، وانسحاب قوات الاحتلال بشكل تام من أراضي القطاع، وكذلك وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مدننا وقرانا ومخيماتنا في الضفة الغربية، ومنع الانتهاكات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والخليل، وجميع المناطق الفلسطينية، من الأولويات التي نعمل على تحقيقها".
وأكد أن الهدف من "الإرهاب المنظم" الذي يمارسه الاحتلال في محافظات الضفة الغربية هو هدفه نفسه من العدوان على قطاع غزة؛ وهو تصفية القضية الوطنية الفلسطينية كقضية سياسية لشعب يكافح من أجل حريته واستقلاله الوطني، وفرض إملاءاته وسياساته الاستعمارية على شعبنا بقوة العدوان الغاشمة.
وقال: إن رؤيتنا لتحقيق السلام العادل والشامل، وضمان الأمن والاستقرار في فلسطين والمنطقة، تتطلب وجود أفق سياسي يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قيام دولة فلسطينية مُستقلة ذات سيادة ومتصلة وقابلة للحياة ومُعترف بها، تكون عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، وتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.
وأضاف: كان تحركنا وفعلنا منصباً على تحقيق أولويات أربع، تمثل ضرورات اللحظة الراهنة، وهي:
الأولوية الأولى: وقف حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتعرض لها قطاع غزة، وانسحاب قوات الاحتلال بشكل تام من أراضي القطاع، وكذلك وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مدننا وقرانا ومخيماتنا في الضفة الغربية، ومنع الانتهاكات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والخليل وجميع المناطق الفلسطينية.
الأولوية الثانية: رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وبما يضمن تدفق الاحتياجات الضرورية اللازمة للمواطنين من الطعام والشراب والدواء والوقود والكهرباء ومتطلبات الإيواء العاجل، وفتح الطرق، والعمل على إعادة الخدمات المختلفة، تمهيداً لإزالة آثار العدوان وإعادة الإعمار.
الأولوية الثالثة: مقاومة ومنع محاولات تهجير أهلنا من القطاع، وتنسيق الموقف في ذلك مع المجموعة العربية الإسلامية والمجتمع الدولي، وبالذات جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، اللتين نُحيّي في هذا المقام موقفهما الصارم والحاسم والمشرف في رفض مؤامرة التهجير، ودعم وحماية وجود الشعب الفلسطيني داخل أرضه ووطنه، فكل التحية لمصر ولأخي فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكل التحية للأردن ولأخي جلالة الملك عبد الله الثاني.
الأولوية الرابعة: حماية القضية الفلسطينية كقضية شعب يسعى إلى تحرير أرض دولته المحتلة وممارسة حقوقه الوطنية في إطار الشرعية الدولية، وتنفيذ الحل السياسي القائم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، واعتراف العالم بهذه الدولة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي.
وقال: إن تنفيذ رؤيتنا لتحقيق السلام العادل والشامل، التي أصبحت رؤية عربية إسلامية بقرار من القمة العربية الطارئة التي عُقدت في القاهرة مؤخراً، استناداً إلى الخطة المصرية الفلسطينية التي قُدمت إلى تلك القمة، يتطلب تحقيق الشروط التالية:
أولاً: وجود أفق سياسي يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قيام دولة فلسطينية مُستقلة ذات سيادة ومتصلة وقابلة للحياة ومُعترف بها، تكون عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، وتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.
ثانياً: انسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزة وضمان آليات واضحة ومستدامة لتدفق الاحتياجات الضرورية ومتطلبات إعادة الإعمار إلى قطاع غزة، والإفراج عن الأسرى والرهائن والمحتجزين.
ثالثاً: وقف جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، ووقف الاستيطان واعتداءات المستوطنين، والكف عن انتهاك حُرمة المقدسات في الضفة الغربية والقدس، وتحقيق تهدئة شاملة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، تتضمن خطوات لبناء الثقة، وتهيئة الظروف لإطلاق عملية سياسية جدية تقود إلى تحقيق السلام العادل والشامل وفقَ مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها.
رابعاً: اعتماد خطة شاملة للتعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة، أساسها عدم تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع، أي "التعمير دون تهجير"، وهو ما تم اعتماده بالفعل في القمة العربية الطارئة الأخيرة بالقاهرة، ويحتاج إلى تعاون وشراكة دولية من أجل تنفيذه.
وأكد الرئيس أن نجاحنا في مواجهة كل هذه التحديات التي أسلفت الحديث عنها، يتطلب بلا أدنى شك ترتيب البيت الفلسطيني داخلياً على أسس وطنية جامعة:
1) الالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا، والالتزام ببرنامجها السياسي والنضالي والتزاماتها الدولية.
2) الالتزام بالشرعية الدولية وقراراتها.
3) الالتزام بمبدأ النظام السياسي الفلسطيني الواحد، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد، والقرار الوطني السيادي الواحد، والمقاومة الشعبية السلمية.
حول سلوك "حماس"
وقال الرئيس: لكي أكون صريحاً معكم، ولكي نضع النقاط على الحروف في شأننا الوطني الداخلي، أجد لزاماً علي أن أقول أمامكم، إن حركة حماس، ومنذ انقلابها على الشرعية الوطنية الفلسطينية عام 2007، وعملها طوال هذه الفترة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والقدس، مروراً بست حروب طاحنة تسببت بها على قطاع غزة، ودون إعفاء الاحتلال بالطبع من المسؤولية، قد ألحقت أضراراً بالغة بالقضية الفلسطينية، وقدمت للاحتلال خدمات مجانية خطيرة، سواء بقصد أو بغير قصد، ووفرت لهذا الاحتلال المجرم ذرائع مجانية لتنفيذ مؤامراته وجرائمه في قطاع غزة، وكان أبرز هذه الذرائع حجز الرهائن. كما فعلت الشيء نفسه في الضفة الغربية وإن بطريقة مختلفة، وكانت مآلات كل هذه الأفعال التي قامت بها حماس ما نعايشه الآن من عدوان ودمار وانغلاق لآفاق المستقبل أمام شعبنا، ما يجعلها ملزمة أمامنا وأمام شعبنا بأن تُنهي استيلاءها على الحكم والسلطة في قطاع غزة تماماً، وأن تتركه لمنظمة التحرير وللسلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، حقناً لدماء أبناء شعبنا، وحماية لمصالحه ومستقبله.
وقال الرئيس: ليس أميناً على مستقبل شعبنا من يعتبر نفسه شيئاً ويعتبر شعبه شيئاً آخر، فيقول عن أهل غزة "نحن وهم"، وليس أميناً على شعبنا ومصالحه من يرى كل هؤلاء الشهداء والجرحى مجرد خسائر تكتيكية، وليس أميناً على شعبنا من يقول "مال حماس لحماس وليس للشعب"، رغم أنهم يجمعون التبرعات باسم الشعب الفلسطيني ثم يودعونها في حساباتهم الخاصة.
وأضاف: لقد وجهت أعضاء اللجنة التنفيذية بالشروع في حوار وطني شامل مع كل القوى والفصائل دون استثناء، من أجل حماية وحدتنا الوطنية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، على أرضية الالتزام بميثاق المنظمة وبرنامجها السياسي والتزاماتها كافة.
وقال الرئيس: أؤكد هنا على جملة من المبادئ والمحددات التي تضبط علاقاتنا مع أمتنا العربية وأمتنا الإسلامية، وأهمها:
1) تعزيز علاقاتنا مع أمتنا العربية وأمتنا الإسلامية على أساس الاحترام المتبادل والثقة، وتقدير مواقفهم الداعمة لقضيتنا منذ عشرات السنين.
2) الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية وبهيئاتها المختلفة، وكذلك الالتزام بمنظمة التعاون الإسلامي، مُقدرين دور كل منهما في دعم كفاحنا الوطني من أجل الحرية والاستقلال والدولة المستقلة.
3) العمل مع الدول الشقيقة، خاصة تلك الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، أو التي تضم تجمعات فلسطينية، من أجل تخفيف معاناتهم، وضمان حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية، وتمكينهم من المشاركة في الانتخابات العامة الفلسطينية، خاصة انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، مع ضرورة دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا لتقوم بواجباتها تجاه ملايين اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، ومواجهة المخططات الإسرائيلية الرامية إلى حلها أو عرقلة عملها.
وأضاف الرئيس: لقد تصدينا بكل قوة لمحاولة فرض ما سميت "صفقة القرن"، التي أرادت الالتفاف على ثوابتنا الوطنية وحقوقنا المشروعة، وقلنا حينها ونقول الآن، واهمٌ من يظن أن بإمكانه أن يُحقق سلاماً أو أمناً أو استقراراً على حساب حقوقنا وقضيتنا الوطنية. هناك طريق واحد للسلام، دولة فلسطينية كاملة السيادة وفق قرارات الشرعية الدولية، والقدس الشرقية عاصمة لها، وغير ذلك وهم لا يمكن أن يكون.
أسس التحرك على الصعيد الدولي
وقال الرئيس: إن تحركنا الراهن على الصعيد الدولي، منفردين أو بالتنسيق والتعاون والشراكة مع المجموعة العربية والإسلامية، يستند إلى العناصر التالية:
1) مطالبة المجتمع الدولي بإجبار إسرائيل دولة الاحتلال على وقف حربها ضدنا في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، وسحب جيشها من هذه المناطق، ووقف مصادرة أراضي الدولة الفلسطينية، وتفكيك المستوطنات، تمهيداً للإنهاء الكامل والتام للاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، ووجوب اتخاذ الإجراءات العملية لتنفيذ ذلك، ودعم المبادرة التي أطلقها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبناء تحالف دولي لتنفيذ حل الدولتين.
2) الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي واليابان وجنوب إفريقيا والبرازيل، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية في مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية والمبادرة العربية للسلام لعام 2002، والاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل، من أجل التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم وإنهاء الصراع ووقف حالة العداء القائمة منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917.
3) إيجاد بيئة سياسية تؤدي إلى التعايش السلمي المشترك لشعوبنا في منطقة الشرق الأوسط تقوم على أسس احترام سيادة الدول وحسن الجوار وعدم الاعتداء من أي طرف، والدخول في معاهدات إقليمية تقوم على أساس العمل المشترك بأشكاله كافة.
4) الحفاظ على المصالح الخاصة والمشتركة في منطقتنا وحمايتها واحترام مصالح الدول ووقف مصادرة حقوق الشعوب أو استنزافها بضغوط استعمارية وعسكرية.
5) مطالبة الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، والتي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، بالاعتراف بدولة فلسطين أسوة بمئة وتسع وأربعين دولة اعترفت بدولة فلسطين حتى الآن، حيث أصبح لدولتنا مقعد بين الأمم بحسب الترتيب الأبجدي، وسبق أن تقدمنا إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة ولكن اصطدمنا بالفيتو الأميركي، ومع ذلك سنتقدم مرة أخرى، ولن نهدأ حتى لو تقدمنا أكثر من مرة، وصولاً إلى نيل الاعتراف من مجلس الأمن الدولي لتصبح دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.
6) تحقيق مبدأ الأرض مقابل السلام القائم على مبدأ حل الدولتين، دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967 تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، مع انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من دولة فلسطين.
7) الإعلان عن إنهاء حالة العداء والكراهية ونبذ الإرهاب واحترام حقوق الإنسان والالتزام بمبادئها، واحترام حرية الدين والمعتقد والعبادة وحرية الوصول إلى جميع أماكن العبادة لكل الديانات دون استثناء، والكف عن انتهاك الأماكن الدينية المقدسة.
حول استحداث منصب نائب رئيس المنظمة
وقال الرئيس: في مؤتمر القمة العربية، الذي انعقد في القاهرة يوم 4 آذار الماضي، تطرقت في كلمتي إلى قضية استحداث منصب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دولة فلسطين، ثم أحلت الأمر بعد ذلك إلى المجلس الوطني الفلسطيني، وطلبت من رئيسه اتخاذ الإجراءات القانونية لإدخال التعديلات اللازمة على النظام الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية من أجل هذه الغاية، التي ظلت تراودني لأكثر من عشرين عاماً، وأردت من ورائها ولا أزال تطوير وتعزيز عمل منظمة التحرير ودولة فلسطين، كما تطرقت في كلمتي أمام القمة إلى مسألة العفو عن المفصولين من حركة فتح وعودتهم إلى الحركة ووظائفهم شريطةَ أن يتقدموا بطلباتٍ فردية تُقرها القيادة الفلسطينية.
وفي ختام كلمته قال: وأخيراً أقول لأبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان من هذا العالم الواسع، إن قضيتنا الوطنية، وحقنا في تقرير المصير والدولة والقدس العاصمة الأبدية والعودة، هي أمانة في أعناقنا جميعاً، وسنبذل من أجلها الغالي والنفيس، وإن من يتوهم أن بإمكانه أن يقفز عن قضية شعبنا وعن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، سوف يفشل لا محالة في طمس الحقيقة أو شطب مشروعنا الوطني الذي رويناه بأنهر من الدماء الزكية لشهدائنا وجرحانا.
أخبار متعلقة :