الكويت الاخباري

العقيدة الإعلامية السعودية.. ضرورة لا ترفاً ! - الكويت الاخباري

تذكّرت فيلم سمك لبن تمر هندي، وهو فيلم غامض لا يمكن أن تفهم مغزاه، ليس بسبب عبقرية الفيلم، بل بسبب سوء إخراجه، فالفيلم عبارة عن خلطة من الأفكار غير المتجانسة أدّت في النهاية لنتيجة واحدة هي (أن لا نتيجة).

الفيلم يشبه الاشتباك القائم بين الصحافة التقليدية ووسائل الإعلام الجديدة بكل ما فيها من منصات (وسائل التواصل، البودكاست، اليوتيوب)، وهو أمر اكتسح العالم أجمع، وليس في السعودية فقط، وإن كانت الأضرار تختلف من بلد لآخر.

قبل سنتين تقريباً قام الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون، بالخروج من قناة فوكس نيوز بسبب الخلافات بينه وبين قناته، حول محتوى برنامجه والعلاقات المتوترة مع الإدارة وبسبب ردود الفعل التي يخلفها وراءه.

ما فعله كارلسون، وما سيفعله غيره، يؤكد للجميع أن الإعلام في العالم كله يمر بمرحلة مخاض عسيرة بسبب صدمة تراجع المؤسسات الصحفية التقليدية وتأثير الوسائل الجديدة عليها، إضافة إلى أن المؤسسات الإعلامية ارتبكت لم تعد معدتها تحتمل ما يقوم به الصحفيون والإعلاميون الحقيقيون، وبدأ البحث عن أرباع وأخماس الصحفيين الذين يسدون ثغرات صغيرة في جدار الإعلام الواسع، لكن ذلك لا يعني أن الجدار سيصمد، بل قد ينهار في أية لحظة.

اليوم الصحافة التقليدية شبه ميتة، ولا تُقدّم فنّاً صحفيّاً يمكن الإشارة إليه إلا المقالات، فقد اختفت التحقيقات والتقارير، وحتى الفنون التي كانت تستفيد من الصحافة مثل السينما والموسيقى والشعر والرواية والقصة.. إلخ، لم تجد بديلاً يستطيع أن ينشر لها كما كانت الصحافة.

فن المقالات يتراجع اليوم بشكل كبير، والكُتَّاب الحقيقيون ينزلون من سفينة الصحافة واحداً تلو الآخر، وهذا في رأيي أخطر ما سنفقده، فكُتّاب الرأي هم الأقدر من بين كل ممتهني الفنون الصحفية الأخرى، على تأسيس رأي عام صلب، والمقال هو السلاح الأمضى في الدفاع عن الوطن ضد كل الحملات التي تصاغ وتدار في الخارج، وهو المعيار الحقيقي لقوة الحجة والأكثر إيلاماً إذا لامست المقالة نقاط ضعف الأعداء، والتجارب في ذلك كثيرة.

فالتغريدة لن تكون بديلاً عن المقال مهما كانت مطولة، وهي تذوب دون تأثير مستدام في بحر من المشاركات لا قرار له.

«البودكاست» اليوم فن جديد من فنون الصحافة المرئية، وهو تطوّر من كونه وسيلة مسموعة إلى مرئية، لكن الاعتماد عليه لوحده والاعتقاد بأنه سيغني عن الصحافة التقليدية هو ضرب من ضروب التفاؤل البعيدة.

ولعلنا نتذكر.. هل كانت محلات الفيديو في السبعينات والثمانينات بديلاً عن الصحف؟.. الإجابة لا بالطبع، فهي لم تَعْدُ أن تكون وسيلة تعرض فنوناً مختلفة، وهو ما يفعله البودكاست حاليّاً، لكنه للأسف سمح لكل من هب ودب بفتح دكانه الخاص دون أن يمر برحلة صحفية يتمرّس من خلالها على فنون الإعلام، فقط كاميرا وكرسيين وضيف لتخرج لنا الكوارث.

فالمشهد الإعلامي تشظى جدّاً، لدرجة يكاد ينفرط فيها؛ لذلك أصبح من الضرورة جمع كل تلك الفنون الصحفية والإعلامية تحت عقيدة واحدة.

ما بشّر به معالي وزير الإعلام السعودي الأستاذ سلمان الدوسري قبل أسابيع عن قرب الانتهاء من استراتيجية إعلامية سعودية شاملة، ستشكّل (عقيدة إعلامية سعودية) تضع لنفسها عنوناً رئيسيّاً يخدم مصالح الأمة السعودية، منطلقة من الرؤية الاستراتيجية للدولة السعودية، ومحققة مستهدفاتها، ستكون الحل المثالي، وأكاد أجزم أن الوزارة قادرة على بناء تلك العقيدة التي ستضبط إيقاع الإعلام ليتحدث بلغة إعلامية واحدة، ويوصل نتيجة واحدة.

فالسعودية بقدراتها وحجمها وتأثيرها المتعاظم في السياسة والاقتصاد الدولي، وكما نفهمها ويفهمها العالم، هي حامية الحرمين الشريفين، وهي جزيرة العرب بكل ما تعنيه من إرث لغوي وإنساني وحضاري وتاريخ متجذر أثّر على العالم كله، وهي أهم مزوّد للطاقة، وإحدى دول العشرين، كل ذلك يجعل من تفوق الإعلام السعودي وسط كل هذه التحوّلات الإعلامية ضرورة لا ترفاً.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :